|
كاتب الموضوع | أبو عبد الرحمن محمد العكرمي | مشاركات | 10 | المشاهدات | 10623 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
سلسلة مقالات : إصلاح الأغلاط الشائعة في اللغة العربية {{متجدد بإذن الله}}
الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على نبيه الأميّ الأمين و على آله و صحبه أجمعين و بعد : فقد وقفت على مقالات لعلاّمة الأدب و اللغة علي الجارم رحمه الله في بيان الأغلاط الشائعة في اللغة العربية ضمن كتاب ( جارميات) جمع الدكتور أحمد علي الجارم , في غاية الإتقان و الفائدة فأحببت أن أنشرها لإخواني رجاء الأجر و المثوبة , فإليكم المقالة الأولى و الله وليّ التوفيق . إصلاح الأغلاط الشائعة في اللغة العربية (1) (*) لقد نهضت لغة القرآن الكريم – و لله الحمد و المنة – نهوضا مباركا في جميع الآفاق , و أحس أبناؤها نزعة نفسية تدفعهم إلى ربط طريف مجدهم بتليده , و حديث تاريخهم بقديمه , فاتجهوا إلى العربية في أزهى عصورها و أنضر عهودها , يتخيرون أرق ألفاظها و أقوى أساليبها و أروع أخيلتها , فامتلأت كتاباتهم بالطريف النادر , و أشعارهم بالرقيق الساحر , و خطبهم بالجزل الرصين , و من وازن بين حالي اللغة الشريفة في عصر نهضتنا هذه و في العصر السابق عليه عصر السبات و الظلام , رأى الفرق جسيما و البون عظيما , و دهش كيف أن ابنة عدنان استطاعت في هذه الفترة القصيرة من أعمار الأمم و أدهار التاريخ أن تخطو هذه الخطوات الواسعة , و أنها تبقى كامنة خادرة حتى إذا وجدت السبيل أمامها مذللة , و الطريق معبدة , وثبت وقبة تطوى لها الأرض , و تطأطئ لها الجبال , و إن نظرة في تاريخ الفصحى تدل على أنها تنقبض في صدفها و لا تموت , و تنصل في ألواحها و لا تمحى { إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون } فقد أصابت العربية أحداث , و مستها قروح كان أقلها كافيا لهدم أقوى اللغات ركنا و أمنعها حصنا من غارات للأعجمية ذهبت بالرطب و اليابس و جولات للشعوبية كادت تقضي على الشرف الخالد و المجد التالد : و مع هذا أيها السادة بقيت اللغة العربية تنظر إلى الأحداث شزراً , و تسخر من الخطوب , فقام رجال في هذا العصر في كلا بلاد العربية بنصرتها و شد أزرها و الإشادة بمجدها. لهذا أيها السادة تروننا لا نألوا جهدا في تطهيرها من أدران اللحن , تنقيتها من فاسد الأساليب , لأن الشعور بالنقص أول مراتب الكمال , و لأن أبا الطيب يقول : و لم أر في عيوب الناس شيئا *** كنقص القادرين على الكمال و لو أنّ كلّ أديب نبّه إلى خطأ فأصلحه , أو فساد تعبير فتجنبه , لطهرت اللغة من شوائب النقص في زمن قصير , و إلى الشباب ندائي , و إلى أبناء العربية رجائي أن يكون لهذه المحاضرات أثرها النافع إن شاء الله تعالى و لنبدأ بالكلام في الموضوع فنقول : - يخطئ كثير من الشادين في الكتابة فيستعملون فعلا لا وجود له في العربية و هو (( تضامن)) فيقولون مثلا : يجب أن نتضامن في هذا الأمر و هذا المشروع يحتاج إلى التضامن , يريدون أنّه يحتاج إلى بذل الجهد المشترك مع ثقة كل شخص بأخيه و من العجيب أن هذا الفعل المصنوع الزائف انتشر على ألسنة المثقفين انتشارا عظيما , خير فعل يحلّ مكانه و يؤدي معناه الفعل ((تواثق)) و مصدره التواثق , قال كعب بن زهير : ليوفوا بما كانوا عليه تواثقوا *** بخيف منى و الله راءٍ و سامعُ أي : ليوفوا بالأمر الذي تعاهدوا عليه و اتفقوا على بذل الجهد فيه متحدين متواثقين , و يشبه خطأهم في استعمال هذا الفعل الذي لا أصل له في اللغة استعمالهم الفعل تكاتف , فيقولون : يجب أن نتكاتف في هذا الأمر , بمعنى نتعاون , و نجاح هذا المشروع موقوف على التكاتف , و هذا الفعل تكاتف لم يرد في كتب اللغة المعتمدة , و الكلمات الصحيحة في هذا المعنى كثيرة فلسنا بحاجة إلى ابتكار فعل جديد نشتقه من الكتف , ففي الاستطاعة أن نقول : نتعاون ونتعاضد و نتساند و نتآزر , و لا بد من المعاونة و التعاضد و التساند و المؤازرة . -و من الغلط أنهم يجمعون الأبله على بلهاء , و هذا من أعجب العجب , لأن أَفْعَل الذي مؤنثه فَعلاء , كأبله و بلهاء لا يجمع جمع تكسير إلا على : فُعْل , أما بلهاء فإذا صحّ فإنّه يوجب أن يكون في اللغة : بليه و باله , و ليس لهما وجود فيها , فالصواب أن يجمع الأبله على بله , كما يجمع الأحمق على الحمق , و الأعرج على العرج. - و من الغلط الفاشي قولهم : تحسنت الصناعة عن ذي قبل , و زيادة (( ذي )) قبل الكلمة ((قبل)) غلط لأنه لا معنى له و لأن العرب لم تستعمل هذا التركيب , و لم تجىء كلمة قبل في لغتها مسبوقة بذي, و إنما تقول في التركيب السابق : تحسنت الصناعة عما كانت عليه من قبل . أما ذي فإنها لا تدخل على قبل , و إنما تدخلها العرب على قبل – بفتحتين- لمعنى غير هذا المعنى , فتقول : أفعل ذلك من ذي قُبَل , أي : فيما استقبل من الزمان , و لا شك أن الغرضين مختلفان , و أن قُبَل غير قَبْل. - و يغلطون فيقولون : تقضي آداب اللياقة بكذا , كأنهم يجعلون اللياقة مصدرا للفعل , لأن يليق و هو ليس له بمصدر , لأنّه لم يسمع بين مصادره و لأنه لا يدل على حرفة حتى ينقاس , و إنما مصدره الصحيح : الليق و الليقان , فالواجب أن نقول : تقضي آداب الليق و الليقان بكذا , و لو أننا أبدلنا ياء اللياقة باءً , فقلنا اللباقة – بالباء – لأصبنا شاكلة الصواب , فإن العرب تقول : هذا الأمر يلبق بك و لا يليق بك أي لا يحسن فمن السائغ لنا أن نقول : تقضي آداب اللباقة بكذا. - و من الأغلاط الفاشية قولهم : حادث مريع , فيصوغون اسم الفاعل و هو مريع من الفعل أراع , و لا أثر لهذا الفعل في اللغة و إنما يقال : راعني الأمر و روعني , بمعنى : أخافني و أفزعني و لا تقل أراعني , فالصواب أن يقال : حادث مروع , و يصح أن تقول : حادث رائع , بمعنى : مفزع أيضاً و لكن الرائع يأتي لمعنى آخر , فقد يكون لما يعجب الناس بحسنه و جهارة منظره أو شجاعته , تقول : جمال رائع و الأصل في ذلك كلّه الروع , و هو القلب أو موضع التأثر منه , و زللهم هذا يشبه في قولهم : هذا فعل مُشِين – بضم الميم – و ما هذه الأفعال المُشينة ؟ و هذا غلط صارخ , لأنه ليس بين أفعال اللغة (أشان) و إنما الفعل شانه و يشينه شيناً بمعنى : عابه فالصحيح أن يقال : عمل شائن , أو : عمل مَشين – بفتح الميم – على أنه اسم مفعول أي أنه عمل يعيبه الناس و يشينوه. - و من الغلط قولهم : زرتك و الساعة تسع , مثلا , و وجه الغلط فيه أن الساعة هنا مبتدأ , و من القواعد الأولى في العربية وجوب مطابقة الخبر المبتدأ , فإذا كان المبتدأ مفرداً وجب أن يكون الخبر مفردا , و الساعة هنا مفرد يدل على شيء واحد ما في ذلك ريب , و تسع تدل بوضعها على أكثر من شيء واحد , أي أنها تدل على تسعة معدودات , فانتفت المطابقة و اضطرب الكلام , هبْك قلت : التفاحة تسع , أو: الدواة تسع , أتظن هذا قولا تسيغه نفسك أو يستسيغوه سامعوك؟ و لكن الألسن جرت على هذا اللحن و لم تضجر له الآذان , لأنه شاع في العامية فلما نقل إلى العربية كان له في النفس مكان مأهول , و الصواب – إن أريد التشبث بهذا التركيب – أن تقول : زرتكتك و الساعات تسع , أو أن تقول كما يقول الناس : زرتك في الساعة التاسعة . - و يقولون : هذا الشيء يجلب الشهية للطعام , أو : يذهب بالشهية . و كلمة الشهية بهذا المعنى غلط هنا لا ندري من أين جاءت , و إنما الشهية : مؤنث الشهى , و الشهى : الشيء المشتهى و اللذيذ , و لا شك أن الكلام لا يستقيم البتة حين نقول : هذا الشيء يجلب الشهية للطعام , إذ يكون معناه هذا الشيء يجب اللذيذة للطعام و هذا هراء , فالصواب أن يقال : هذا الشيء شه للطعام أو يشهي الطعام أي يجمل على اشتهائه.اهـ ص ( 227 / 229 ) طبعة دار الشروق. ...............يتبع بإذن الله مع المقالة الثانية في بيان الأخطاء الشائعة في اللغة العربية . ـــــــــــــــــــــــــــــ (*) نشرت بمجلة الراديو المصري بالعدد 181 في 30 سبتمبر 1938 ص 8 و لقد تعرض المرحوم(أ) لهذا الموضوع الهام و قد فيه سلسله من الأحاديث الإذاعية . (أحمد علي الجارم). (أ) هكذا جاءت عبارة جامع الكتاب أحمد علي ابن الأديب علي الجارم , و كما هو مقرر و معلوم من عقيدة أهل السنة بعدم جواز الشهادة لأحد كائن من كان بالجنة أو الرحمة إلا من ورد في حقّهم نص ثابت . فتوى الشيخ العلامة المجدد ابن باز رحمه الله : حكم القول للميت: المغفور له، أو المرحوم ما هي العبارات التي تطلق في حق الأموات فنحن نسمع عن فلان (المغفور له) أو (المرحوم) فهل هذه العبارات صحيحة؟ وما التوجيه فـي ذلك؟ المشروع في هذا أن يقال: (غفر الله له) أو (رحمه الله) ونحو ذلك إذا كان مسلما، ولا يجوز أن يقال: (المغفور له) أو (المرحوم)؛ لأنه لا تجوز الشهادة لمعين بجنة أو نار أو نحو ذلك، إلا لمن شهد الله له بذلك في كتابه الكريم أو شهد له رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي ذكره أهل العلم من أهل السنة، فمن شهد الله له في كتابه العزيز بالنار كأبي لهب وزوجته، وهكذا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي وبقية العشرة رضي الله عنهم وغيرهم ممن شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة كعبد الله بن سلام وعكاشة بن محصن رضي الله عنهما، أو بالنار كعمه أبي طالب وعمرو بن لحي الخزاعي وغيرهما ممن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار نعوذ بالله من ذلك نشهد له بذلك. أما من لم يشهد له الله سبحانه ولا رسوله بجنة ولا نار فإنا لا نشهد له بذلك على التعيين، وهكذا لا نشهد لأحد معين بمغفرة أو رحمة إلا بنص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أهل السنة يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، ويشهدون لأهل الإيمان عموما بالجنة وللكفار عموما بالنار، كما أوضح ذلك سبحانه في كتابه المبين قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا[1] الآية، من سورة التوبة، وقال تعالى فيها أيضا: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ[2] الآية، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الشهادة بالجنة أو النار لمن شهد له عدلان أو أكثر بالخير أو الشر لأحاديث صحيحة وردت في ذلك. [1] سورة التوبة من الآية 72. [2] سورة التوبة من الآية 68. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الخامس. أنظر موقع سماحة الشيخ رحمه الله . http://www.binbaz.org.sa/mat/1835
الموضوع الأصلي :
سلسلة مقالات : إصلاح الأغلاط الشائعة في اللغة العربية (1) (2) (3)
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
أبو عبد الرحمن محمد العكرمي
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد العكرمي ; 01-03-2011 الساعة 12:37 PM. |
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا أخانا العكرمي على هذا النقل الجميل,وقوَّم ألسنتنا إلى الفصيح.
|
#3
|
|||
|
|||
سلسلة مقالات : إصلاح الأغلاط الشائعة في اللغة العربية (1)
المقالة الثانية : إصلاح الأغلاط الشّائعة في اللّغة العربية (2) (*) قال الأستاذ الأديب علي الجارم رحمه الله تعالى : أعود إلى الكلام في تصحيح الأغلاط الشّائعة في العربية , و أنا أزداد في كلّ يوم ثقة بأنّ الدعوة إلى هذه الناحية من الإصلاح أخذت تدنو من أفئدة الشبّان و المتعلمين في مصر و بقية الأقطار العربية , و أزعم أنه بعد أن كانت الأذن تنفر في أوقات فراغها من البحوث العلمية و أقاويل الجد , شرعت تصغي إليّ من بعيد علّها تتدارك خطأً فتصلحه , أو غلطاً فتجتنبه , لأني أدعو إلى إصلاح يجب أن يُحِلَّهُ كلّ عربي المحلَّ الأول , و ينزله من ثقافته في المكانة العليا . و دعوني من الشبان المستهترين و الكتاب الإباحيين , فلست هؤلاء أعني و لا إليهم أسوق الحديث , و لعلنا نتقابل بعد قليل حينما ينتعشون من كبوتهم , و يفيقون من غفوتهم , و لقد وصلت إلى رسائل ليست بالقليلة , و علمت في أثناء رحلتي إلى لبنان و سورية و العراق أن صوتي لم يذهب في الهواء , و أن صرختي لم تكن في واد , و أن حميتي للعربية و أهلها عرفت سبيلها إلى القلوب. و قد أخذت على نفسي ألا أحكم بخطأ كلمة لها في العربية وجه مقبول , و ألا أتجاوز عن غلط يأباه ذوق العربية و تنبذه نصوصها و تتجافى عنه أصولها , لأني بان لا هدام , و مصلح لا متزمت , و مترخص فيما اتسعت له الرخصة , و حارس بستان إذا ذدت الغربان عن ثماره فلن أذود الصادحات عن أفنانه . و التعرض للحكم بأن كلمة غير صحيحة و أن أخرى صحيحة ليس بالأمر السهل , و لا هو على طرف الثمام , و إنما يجب أن يصدر عن نضج في اللغة و الأدب , و تمكن من طرائق العرب في تصريف الأبنية و مناحي استعمال الكلام , ورب كلمة لا تجد لها نصاً في معجمات اللغة و لكنها جاءت في أشعار المتقدمين , و عبارات كبار الكاتبين الذين يحتج بهم لمكانتهم في اللغة , فللجاحظ مثلا كلمات لم نظفر بها في المعجمات و للإمام الشافعي في مؤلفاته ألفاظ لم تقع بأيدي اللّغويين , و هو الذي يقول فيه الأزهري صاحب الحكم : ( وقول الشافعي نفسه حجة , لأنّه عربي فصيح اللهجة , و قد اعترض عليه بعض المتحذلقين فخطأه , و قد عجل و لم يثبت فيما قال , و لا يجوز لحضري أن يعجل إلى إنكار ما لا يعرفه من لغات العرب). و قد كنت مرة أقرأ للمتنبي قصيدته البائية في مدح سيف الدولة التي أولها : فديناك من ربع و إن زدتنا كرباً *** فإنّك كنت الشرق للشمس و الغربا فتلاقيت بهذا البيت : و يخشى عباب البحر و هو مكانه *** فكيف بمن يغشى البلاد إذا عبا و رأيت أن الشراح جميعاً فسروا عب بمعنى زخر و ارتفع ماؤه , فأحببت أن أرجع إلى المعجمات لدارسة هذا الفعل دراسة كاملة , فلم أجد فيها نصا بهذا المعنى , ففيها : عب فلان الماء يعبه : شربه مرة واحدة , و عب النبت : طال , عب الرجل : إذا حسن وجهه بعد أن أصابه تغير و لم أجد بين صفحاتها فعلاً مثل عب البحر إذا زخر و ارتفع ماؤه. و لكنني أجد فيها كلمة العباب و أرى أنهم قالوا ف تفسيرها : عباب الماء : أوله و معظمه و ارتفاعه . و هنا ينقذني و ينقذ المتنبي على الصرف , فيقول : إن الماء إذا تدفق و ارتفع و سمع له صوت و نثيج , و إن الغالب في الأفعال الدالة على صوت – من غير بابي فرح و كرم – أن يكون مصدرها على فعيل أو فعال , كصهيل و صراخ , و إذا فعباب هذا إنما هو مصدر ل (( عبّ)) بمعنى زخر , و إذا يكون اللغويون قد ذكروا المصدر و أغفلوا الفعل ثم يقول علم الصرف ثانية : أن مضارع عب الماء يجمل أن يكون يعِب بكسر العين , لأنه فعل مضعّف لازم و الغالب في هذا أن يكون من باب ضرب. و ربّ كلمة لهج بها المتعلمون بأنها خطأ , و جرت عليها أقلام المعلمين الحمر قاسية غاضبة , لأنهم لم يروها في كتب اللغة ماثلة بنصها و حروفها و اشتقاقها. و ذلك ككلمة : عائلة , لماذا ؟ لأنها ليست في المعجمات . يا سادتي إن هذه الكلمة ليست مستحدثة في هذا القرن و لا في القرن الذي قبل , إنها وجدت في شعر لشعراء الدولة الأيوبية , و قد يكون لها ذكر قبل ذلك و لكني لم أعثر عليه , و الدولة الأيوبية نشرتها في سنة سبع و ستين و خمسمائة , إذن مر على هذه الكلمة المسكينة تسعون و سبعمائة عام و هي تدور على الألسنة و تكتب في الشعر , ثم نجيء اليوم و نقول لها اخرجي من وكرك أيتها الدعية اللزيقة فلست منا و لا من لغتنا لأنك لست في معحماتنا ! يا سادتي المعجمات لا تذكر المشتقات و لو استوفت المشتقات جميعاً لعادت حجما كبيراً و عبئاً ثقيلاً. تعالوا نبحث في هذه الكلمة من الوجهتين اللغوية و الصرفية , و تمهلوا فإن الحكم على كلمة بالإعدام يشبه قتل النفس البريئة بغير حق. العائلة على وزن فاعلة , و هي مشتقة من عال ما في ذلك ريب , فلننظر إذن معاني الفعل : عالَ , فنرى علماء اللغة يقولون : عال الرجل يعول و يعيل إذا افتقر . يكفينا هذا فعائلة بمعنى مفتقرة , و لا شك أن زوج الرجل و صغارة مفتقرون إلى من يقوم عليهم و يمونهم , فعائلة الرجل المفتقرة إليه هي زوجه و أولاده , و هذا هو المعنى الحقيقي الذي يقصده الناس عند التعبير بكلمة العائلة. ثم نعود إلى المعجمات ثانية , فنرى عال الرجل أهله يعولهم : كفاهم و مانهم و أنفق عليهم , و العائلة على هذا المعنى فاعلة بمعنى مفعولة , أي : معولة . واستعمال اسم الفاعل في معنى اسم المفعول شائع فصيح . قال الله تعالى : ( فهو في عيشة راضية ) أي : مرضي عنها , ثم إن هنا معنى بليغاً , لأن العائلة و إن كان كاسبها يمونها هي التي في الحقيقة تمونه , لأنها تدفعه إلى الكدّ و العمل و طلب الرزق. قال تعال : ( لاتقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقهم و إياكم ) فقد(1) رزق الأولاد على رزق آبائهم , لأن الآباء بأبنائهم يرزقون . جملة القول أن كلمة العائلة صحيحة من ناحية الاشتقاق اللغوي على كلا المعنيين لـ ((عال)). و مما يجري هذا المجرى كلمة فنان . نبت بين المتأدبين من يقول : لا تستعملوا كلمة فنان في صاحب الفن كالشاعر و المصور و المغني و الممثل(2) , لأنّ الفنان في اللغة الحمار الوحشي , فرجع الكتّاب و المتعلمون إلى معجماتهم فوجدوا فيها : و الفنان في شعر الأعشى حمار الوحش , لأن له فنوناً في العدو , فآمنوا و صدقوا و سخروا من كل من يسمي المصور فناناً . و لو تأمل هؤلاء في عبارة اللغويين لرأوا أمرين حقيقين بالنظر , أولاً أنهم قالوا : الفنان في شعر الأعشى , أي أن الأعشى استعمل هذه الكلمة ليدل بها على الحمار الوحشي , فالفنان إذن ليس اسما موضوعاً للحمار الوحشي يعرفه به كل العرب , على أن هذه الكلمة في الحقيقة في شعر الأعشى وصف لموصوف محذوف , و هذا كثير في لغة العرب فهو يقول : و إن يك عربيب من الشّد غالها *** بميعة فنان الأجاري مجذم أي بميعة حمار فنان الأجاري . و ثانيا : أن اللغويين قالوا : (لأن له فنوناً في العدو) و هذا صريح في أن هذا الوصف إنما أطلق على حمار الوحش لأن له أنواعاً مختلفة من العدو و ما علمناأن الوصف يختص بشيء بعينه , و لا أننا إذا وصفنا فرساً بأنه سباق لا يسوغ لنا أن نصف عالما بأنه سباق في علمه و فضله. على أن صيغة فنان من صيغ النسب الجارية على فعّال كـ : لبّان , و زجّاج أي : ذي لين , و ذي زجاج , فمعناها : ذو الفنون , فهي تطلق على كلّ صاحب فن في العدو أو التصوير أو غيرها(3). هذه أمثلة قليلة عندنا منها كثير , تدل على أنّ كتب اللغة يجب أن تقرأ بفهم و بصيرة و تمكن في علوم الاشتقاق . و هذه إشارات خاطفة للذين يتعجلون فيكتبون في الصحف و المجلات بأن هذه الكلمة خطأ و أن هذه الكلمة صحيحة من غير إلمام و تريث و تدقيق. و الله وليّ التوفيق. اهـ جارميات ص(230 / 233 ) .................يتبع بإذن الله مع المقالة الثالثة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (*)نشرت بمجلة الراديو المصري بالعدد 84 في 24 سبتمبر 1938 ص 8 . (1) كذا في الكتاب و الظاهر أنّها فقدم .. الخ. العكرمي. (2) ينبه ها هنا إلى أنّ البحث لغوي بحت و ليس فيه إقرار لتلك الفنون. العكرمي. (3)و هنا أيضاً ينبغي أن يوجه هذا الكلام لمن حصر الفنون في ثمانية سمّاها و عدّها و من ثمّ حكم على ممارسها و أثبت له وصف الفنّ دون غيره , فلا تكاد تجد كاتبا جرائدياً!! يكتبُ عن معلّم اللغة العربية فيقول : الفنّان اللغوي فلان لا يريد بذلك إلا المعنى اللّغوي للفنان , و هو خطأ ظاهر واضح لا ريب في ذلك . العكرمي. |
#4
|
|||
|
|||
رفع الله قدركم و رحمنا الله و إياكم في الدارين
التعديل الأخير تم بواسطة الشاعر أبو رواحة الموري ; 12-30-2010 الساعة 11:49 AM. |
#5
|
|||
|
|||
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً أخي الفاضل
__________________
سُئل الإمام أحمد : متى يجد العبد طعم الراحة ؟ فقال : عند أول قدم يضعها في الجنة. كان الإمام أحمد يئن في مرضه ، فلما أخبروه أن طاووساً يقول : إنّ أنين المريض شكوى ، ما أنّ حتى مات ... رحمة الله عليه من صابر. • قال أبو بكر الصديق : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن .. انظر إلى تواضعهم.. • وهذا الصديق أيضا كان يحلب للضعفاء أغنامهم. |
#6
|
|||
|
|||
و إياكم أخي الفاضل أبا عبادة السلفي
|
#7
|
|||
|
|||
سلسلة مقالات : إصلاح الأغلاط الشائعة في اللغة العربية (1)
سلسلة مقالات : إصلاح الأغلاط الشائعة في اللغة العربية (3) (*) نعود الليلة إلى موضوع الكلام في الأغلاط الشائعة في اللغة العربية , وقد وقفنا الكلام في المحاضرة إلى تصحيح بعض كلمات حكم عليها ظلماً بأنّها غير صحيحة , و بقيت عهداً طويلا طريدة منبوذة تأباها أقلام الكاتبين , و تنفر منها أسماع المعلمين . حتى رددنا إليها اعتبارها كما يقولون و رجعنا إلى أخواتها و أهلها بعد طول الغيبة و اشتداد النفرة , و عندي من هذا النوع كلمات كثيرة لا يزال المتحذلقون الواقفون عند عبارة المعجمات و ألفاظها يعتقدون أنّها خطأ و هي صحيحة فصيحة صريحة النسب . و المجلات قد فسحت صدورها لطائفة من المبتدئين الذين يرون أن أول مدارج الشهرة أن يخطئوا الناس فيما يقولون و يكتبون , ولو جاءوا في ذلك بالغثّ السّقيم؟ سأفرغ لهذا الموضوع في ليالٍ تجيء , و لكني سأطرفكم الليلة بكلمتين اثنتين من هذا النوع لمحض التسلية و الترويح , فإن النفس تميل إلى التنقل من حديث إلى حديث و هي ملول سئوم لا تصبر على طعام واحد.
رأوا هذا النص فقالوا : إن صاحب القاموس خصص كلمتي كسل و كسلان بوصف الرجل و خصص كلمة كسول بوصف الأنثى , و إذاً يجب أن تقول : رجل كسول , ثم أرادوا أن يزيدوا وثوقاً و إيمانا فوق إيمانهم , فأسرعوا إلى أكبر مرجع من مراجع اللغة و هو لسان العرب لابن منظور فرأوا فيه : كَسِل عنه بالكسر : كسيل و كسلان , و الجمع : كُسَالَى و كَسْلَى. قال الجوهري : و إن شئت كسرت اللام كما قلنا في الصحارى , و الأنثى كسلة و كسلى و كسلانة و كسول و مكسال. رأوا هذا أيضا السادة فزادوا يقيناً – كيف لا و صاحب اللّسان يقول : ((و الأنثى كسلة و كسلى و كسول! هذا معناه في رأيهم أن هذه الصفات الأربع جميعا خاصة بالمؤنث لا يتصف بها سواه , و لكن أين علم الصرف! أيها السادة ؟ و أين فقه اللغة ؟ و أين فنّ كتب اللغويين ؟ لا لا . لا يعنيهم من هذا شيء , هكذا قال صاحب القاموس و كفى , و هكذا قال ابن منظور و هو حسبهم. ليس الأمر كما تظنون أيها المتعجلون. إن علينا أن نفهم عبارة اللغويين و أن نستعين في فهمها بقبس من علم تصريف الكلام. يقول علماء الصرف أيها السادة إن الوصف الذي على وزن فعول بمعنى فاعل لايوصف به المذكر , و إنما قال : إن المذكر و المؤنث يوصفان به على السواء من غير حاجة إلى تاء التأنيث عند وصف المؤنث. إذا علم الصرف يجيز لنا أن نقول : رجل كسول و امرأة كسول كما أجاز لنا أن نقول : رجل صبور و امرأة صبور . تعالوا بعد ذلك نفهم عبارة اللغويين على هذا الضوء و في هداية هذا القبس . ماذا قال اللغويون؟ قالوا : يقال للرجل كسِل و كسلان , هذا صحيح لا غبار عليه لأن هذين الوصفين خاصان بالمذكر , و لأنه لما كان الوصف كسولُ مشتركا بين المذكر و المؤنث لم يضعوه بين أوصاف المذكر , لأن البداهة تقضي بصحة أن يكون وصفا للمذكر لخلوه من تاء التأنيث , فلم يجدوا حاجة إلى ذكره فلما جاءوا لذكر أوصاف المؤنث قالوا : كَسِلة و كسلانة و كسول , لينصوا على صلاحية أن تكون كلمة كسول وصفا للمؤنث مع خلوها من التاء. و من هذا نرى أن اللغويين جروا على سنن تتسق مع العقل , فلم ينصوا على البديهي و نصوا على غير المألوف أو ما يصح أن يكون موضعا للشك , و الذي يدل على هذا أن كلمة كسول جاءت في شعر عربي وصفا للمذكر , و قد نقل هذا الشعر صاحب اللسان في معجمه , فالكلمة إذا لم تفته و لم يخف عليه مكانها و لو كان يعرف أنه أهملها في موضعها لعاد إليه و ذكرها فيه , و لكنه كما رأينا رأى ألا يضع الكلمة مع أوصاف المذكر , لأن صلاحيتها له من بدائه العقول . اسمعوا ما جاء في لسان العرب في مادة (زمل) : و الزميل الضعيف الجبان. قال أُحَيحة : و لا و أبيك ما يغني غنائي *** من الفتيان زمّيل كسول و الكسول هنا أيها السادة من الفتيان لا من الفتيات ! الكلمة الثانية كلمة (وحيدة) : ظهر بين المستعملين و اللغويين من يمنع وصف الأنثى بكلمة وحيدة , فلا يجيز أن يقال : فتاة وحيدة في الظرف , و لا : هذه المرة الوحيدة التي زرتك فيها . ماذا نقول يا سادتي ؟ إذاً يقولون : قل وحِدة يا فتى . فجربت أن أقول : هذه فتاة وحدة في الظرف , و هذه هي المرة الوحدة التي زرتك فيها , فلم أجد ذلك سائغاً في حلقي و لا في ذوقي ! من أين جئتم بهذا ؟ جئنا به من كتب اللغة ! فارجع إليها إن شئت. فرجعت إلى القاموس فرأيت صاحبه يقول : رجل وَحَد و أَحَد و وِحْد و وحيد و متوحد : منفرد, و هي وحِدة , فقالوا : ألم نقل لك إنه وصف المؤنث على وَحِدة و لم يقل وحيدة ؟ قلت : نعم هذا صحيح , و لكني أعرف من ناحية أخرى أن وحيدا بمعنى فاعل , أي : متوحد و أن كل فعيل إذا كان بمعنى فاعل لحقته تاء التأنيث قياسا , فأقول : كريم و كريمة , و عفيف و عفيفة , لا أحتاج إلى المعجمات . ثم إني أرعف من ناحية ثانية أن أصحاب المعجمات لا ينصون على ما كان قياسيا , و إلا صحبوا كل وصف لمذكر بمؤنثه , ثم أعرف من ناحية ثالثة أن اللغويين إذا رأوا أن العرب خالفوا القياس في كلمة سارعوا إلى التنبيه عليها فقالوا مثلا (ولا تقل وحيدة ) و لكن صاحب القاموس لم يفعل هذا و هو لم يذكر وحيدة لأن تأنيثها قياسيّ لا غبار عليه . على أني حين أتمّ قراءة هذه المادة في القاموس نفسه أجده يقول بعد قليل : (( و الوحيدة من أعراض المدينة بينها و بين مكة )) إذا فالعرب قد نطقوا بكلمة الوحيدة و سموا بها مكاناً بين مكة و المدينة , و هو علم منقول من الصفة و لو كانت كلمة الوحيدة مخالفة للغتهم ما استطاعوا أن ينطقوا بها , و إذا يكون هؤلاء الذين يدعون على المعجمات إنما يتعجلون في الحكم و يتسابقون إلى الهدم من غير فقه أو تمحيص . هذا ما أردت التحدث فيه في هذه الليلة , أيها السادة , و سنستمر في تناول هذا الموضوع في محاضرات أخرى إن شاء الله و هو الموفق سبحانه .ص 234 / 236 من جارميات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*)أذيع هذا الحديث من إذاعة القاهرة في 27/4/1938م. |
#8
|
|||
|
|||
المقالة الرابعة : إصلاح الأغلاط الشائعة (4) (*) و الآن أيها السادة نلتقي في رحاب العربية الشريفة التي تهوى إليها قلوب أبنائها على اختلاف الديار و بعد الآفاق, و التي نعدها بحق الرمز الصادق لتاريخنا المجيد, و النبع الفياض لثقافتنا الحديثة , العروة الوثقى لآمالنا المتفرقة و عواطفنا المتزاحمة . وقد ألقينا قبل ذلك من هذا المكان الذي يشرف على ديار العروبة جميعا أحاديث و أحاديث في تنقية العربية مما أصابها من دون , و تطهيرها من وضر اللحن و من كل ما أجلبت به عليها العجمة من دخيل في اللفظ و التواء في الأسلوب . و أهبنا بالشبان الأمجاد أن يصغوا إلى أحاديثنا , و أن يقتطعوا من أوقات لههوهم جزءا للتفقه في اللغة و الإلمام بصحيح أوضاعها , و أنهم إن فعلوا و تفضل الله علينا بأن نستمر في أحاديثنا قضوا على كل ما تتعثر به الألسن من خطأ شائع , و تتطرف به أقلام بعض الكاتبين من عربية مدخولة و لكنا بعد أن مضينا شوطا في إصلاح الخطأ في الكلمات و الأساليب لمحنا أن هناك داهية أدهى , و أن وراء الأكمة خطرا أعظم , ذلك هو تشبث بعض المعلمين بالحكم على كلمات صحيحة فصيحة بأنها خطأ , و قيام نابتة من المبتدئين تتعالم على الناس و ترمي بالخطأ كل تركيب أو لفظ صحيح. مسكينة أنت أيتها العربية .ماذا تصنعين بيم مجازف باللحن لا يبالي ما يصنع , و جريء اللسان و القلم لا يريد أن يترك لك أديما صحيحا ؟ و ماذا يكون حالنا أيها السادة و قد أردنا أن نرأب صدعاً في البناء فإذا بنا نرى في الجانب الآخر معاول تهدم القوى المتماسك من هذا البناء . ألقينا بكل شيء كان في أيدينا و تركنا الحديث في الأغلاط الشائعة إلى حين , و أسرعنا إلى هذه المعاول نحطمها و إلى تلك الأيدي العادية على العربية نغلها. رحماك اللهم . أردنا أن نعالج في العربية داء قديما فإذا نحن من هؤلاء الهدامين أمام داء جديد. و قد ذكرنا في حديث سابق أن الحكم بخطأ الصحيح من الألفاظ يرجع إلى أسباب منها : الجمود عند عبارة المعجمات من غير ذوق لغوي و ملكة سليمة تدرك ما وراء هذه العبارات , و منها : الجهل بعلم الاشتقاق و قواعد التصريف , و منها : الاقتصار أحيانا على معجم من غير استقصاء غيره من كتب اللغة و الأدب . و نحن الليلة متناولون أربع كلمات نفاها بعض المتحذلقين من حظيرة العربية و أهابوا بالأدباء و الكتاب أن يجتنبوها , منها كلمتا الفطور و الغذاء , و أظن أن إنسانا لا يستغني عن استعمال هاتين الكلمتين في كل يوم من أيام حياته , قالوا لنا : إنها خطأ لا يصح أن تتداوله الألسنة بحال , فلا يصح أن تستعمل كلمة الفطور إلا لطعام الصائم عندما تغرب الشمس , أما في غير رمضان فطعام الصباح لا يسمى فطورا . و لكننا أيها السادة اللغويون نحتاج إلى هذا الاسم أشد الحاجة و كيف تكون لنا لغة تصح أن تسمى لغة إذا لم يكن بها اسم لطعام الصباح ! قالوا : سمه غداء. سم الفطور غداء , لأن القاموس يقول (( و الغداء طعام الغدوة)) و الغدوة أول النهار أو ما بين صلاة الفجر و طلوع الشمس قلت : إن الناس لا يقبلون أن تسموا لهم الفطور غداء , قالوا : و ما لنا و للناس إننا نأخذ اللغة من نصوصها , قلت : و بم تسمون طعام ما بعد الظهر الذي يسميه الناس جميعاً غداء ؟ قالوا سمها الكرزمة . فلم أسغ الكلمة و علمت أن شيئاً ما من هذا الخلط لن يكون صحيحا , فرجعت إلى المعجمات فماذا رأيت . رأيتها تقول : الفطر الشق , تقول : فطر فلان الحائط يفطره شقه , و الفطر البدء بالشيء , تقول : فطر الله السموات , أي : بدأ خلقها – فالفَطر للصائم بفتح الفاء و هو المصدر و بكسرها و هو الاسم – مأخوذ من هذين المعنيين فالصائم بفطره يشق الصوم , أي يصدعه : أو يبتدئ الأكل بعد أن كان محظوراً , و الطعام الذي يبتدئ به يسمى فطوراً , لأن يكسر الصوم أو يجيء أول الطعام . و إذا جاء الفطر و الفطور في حديث أهل اللغة عن الصوم و الصائم . ألا يسوغ لنا أن ننقله إلى غير الصائم ما دام الأصل اللغوي يعاضدها و الحاجة إلى الكلمة تستحثنا ؟ نعم يسوغ , إما على ضرب من المجاز بالاستعارة و إما بإطلاق الخاص بتوسيع معناه و إما بالرجوع إلى الأصل اللغوي المحض , لأن طعام الصباح و هو الفطور أول طعام يبتدئ به فهو من الفطر بمعنى الابتداء , أو لأنه يشق ما كان عليه الآكل طول الليل فيكون من الفطر بمعنى الشق و الصدع , و توافق اللغات هنا عجيب جدا بين العربية و الانجليزية فإن فطور يسمى بالإنجليزية « breakFast » أي صدع الصيام. انتهينا إلى أن نسمي طعام الصباح فطوراً كما يسميه جميع الناس . بقى الغداء و ما قالوه من أنه طعام الصباح , و كانت عبارة صاحب القاموس تشهد لهم , لأنه يقول : و الغداء طعام الغدوة و هي ما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس و لكننا حين ذكرناهم بقوله تعالى في شأن موسى عليه السلام (( فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا)) و قلنا : كيف يلقيان نصبا من السير و السفر وقت الغدوة في بكرة النهار ؟ قالوا: لعله كان يسير ليلا . فذهبنا إلى المعجمات فرأينا صاحب المصباح يقول : غدا غدوا ذهب غدوة , هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الذهاب في أي وقت . و إذاً يجوز أن تقول : غدا فلان إلى الاسكندرية في قطار العصر , بمعنى : ذهب . ثم رأينا صاحب الصحاح يقول : و الغداء الطعام بعينه و هو خلاف العشاء , فهو لم يقيده بأن يكون أول النهار , فطعام الظهر عنده غداء من غير شك . و هناك دليل آخر على ذلك لطيف , و هو ما قاله شارح القاموس , قال : و يسمى السحور غداء , لأنه العرب تجوزوا و سموا سحور الصائم غداء . و إذا تجوزوا في الصائم فلم لا نتجوزر في المفطر ؟ و هو ثانيا : يفيد أن طعام الغداء هو طعام ما بعد الظهر , أو الذي يلي الفطور , لأنهم استعملوه للصائم فيما يلي الفطور و في طعام نصف الليل و في طعام نصف الليل . أما ( الكرزمة) هذه و هي أكل نصف النهار , فهي على غرابتها و ثقلها و نبوها لم نرها في كتب الأدب و لا في شعر الشعراء , على أن ابن الأعرابي ينكرها و يقول : لم أسمعه لغير الليث. و من هذه الكلمات التي لا تزال محكوما عليها بالخطأ من جميع المعلمين و المتأدبين ((كلمة يدعوه كذا )) . و ((تعود على كذا)) فلا يجوزون مطلقا أن يكتب كاتب مثلا إن التغاضي عود فلانا على الكسل. أو أن يقول : إن فلانا تعود على الإهمال , لأنهم رجعوا إلى معجمات اللغة فرأوها مجمعة على تعدية الفعل بنفسه لذلك يحتمون أن يقال : إن التغاضي عود فلانا الإهمال فتعوده . و لكننا نريد أن نفهم نصوص اللغة معهم في هدوء و تؤدة ففيها : و عاد فلان على الشيء و إلى الشيء رجع إليه و فيها و عاد فلان الشيء صار عادة له . و فيها : و عوّد كلبه الصيد جعله يعتاده , فالفعل عاد في كل هذه التعاريف معناه الرجوع إلى الشيء أو العمل فإذا تكرر هذا الرجوع صار عادة, و إذا جاز أن نقول : عاد فلان على الشيء بمعنى رجع . إلا يجوز حينما نريد أن نعدي هذا الفعل إلى المفعول بالتضعيف أن نقول :عوّد فلان فلانا على الشيء , أي : أعاده إليه مرة بعد أخرى. هذا بدهي كما نقول : سار فلان على نهج قويم , و سيرته على نهج قويم . و حينما قالوا : عاد فلان الشيء , و أرادوا تعديته إلى مفعولين قالوا : عودته الشيء , و لكن اللغويين أهملوا ذكر الفعل الأول مضعّفا , و هو عوّده على كذا و أتوا بالفعل التالي و هو عوده كذا . و إهمالهم هذا لا يدل على منع عوده على كذا ما دام التضعيف مسموعا و ما دامت العرب استعملت الفعل المجرد معدىً بعلى فقالوا : عاد فلان على الشيء فإذا لم يؤمن المتأدبون بعد كل هذا , فأظنهم يمتلئون إيمانا عندما يسمعون قول زهير في مدح هرم بن سنان : و عوّد قومه هرمٌ عليه *** و من عاداته الخلق الكريم عودهم عليه أي : جعلهم يعودون إليه لطلب المعروف مرة بعد أخرى . و كذلك إذا قلت : عودت فلانا الكرم . كان المعنى : جعله يعود إليه مرات فتعود عليه. و من الكلمات التي أنكرها عليّ بعض الأدباء كلمة ((نسائم)) جاءت في بيت قلته هو : يفدّيه غصن الدوح ريّان ناضراً *** إذا اهتز في كف النسائم مائله قالوا : إن النسيم لا يجمع على نسائم و إنما جمعه أنسام , ولم نجد كتابا في اللغة جمعه على نسائم . و الحق أن هذا الكلام عجيب جدا كأن الجموع القياسية يجب أن تؤخذ أيضا من كتب اللغة مع أنها لا تذكر الجمع القياسي إلا في القليل النادر. جمع نسيم على نسائم جمع قياسي , لأن فعائل جمعا تطرد في كل رباعي مؤنث ثالثه مدة زائدة , فأجمع سلافة على سلائف , حبيبة على حبائب , و حلوبة على حلائب . و لا تبحث عنها في كتب اللغة , و المؤنث إما أن يكون بالتاء كما سبق , و إما أن تكون العرب عدته مؤنثاً مثل شمال و شمائل و يمين و يمائن و عجوز و عجائر. و النسيم مؤنثة لأن الريح مؤنثة و كل أسمائها مؤنثة كذلك. و ذا كانت النسيم مؤنثة فهي رباعية ثالثها مدّة زائدة هي الياء, فهي تجمع على نسائم في قياس مطرد لا يتحلف , و لذا يقول الحسين الواساني من أكثر من تسعمائة سنة : و لما نضا وجه الربيع نقابه *** و فاضت بأطراف الرياض النسائم و في هذا القدر ما يكفي هذه الليلة و السلام عليكم و رحمة الله .ص237/240 من جارميات . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*)أذيع هذا الحديث من إذاعة القاهرة في 10/6/1938م. |
#9
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
|
#10
|
|||
|
|||
و فيك بارك الله أخي الحبيب فتحي
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.