|
كاتب الموضوع | عبد الغني بن عيسى الجزائري | مشاركات | 1 | المشاهدات | 1935 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
التبصرة ببعض ما غاب عن البعض في مقال «التذكرة»
بسم الله الرحمن الرحيم الـتَّـبـصِــــرَة ببعض ما غاب عن البعض في مقال «الـتَّـذكِــرَة» «إِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ خِطَابٌ بِلِسَانٍ، أَوْ هَجَمْتَ عَلَى كَلاَمٍ فِي كِتَابٍ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تُقَابِلَهُ مُقَابَلَةَ المُغَاضَبَةِ البَاعِثَةِ عَلَى المُغَالَبَةِ قَبْلَ أَنْ تَتَيَقَّنَ بُطْلاَنَهُ بِبُرْهَانٍ، وَأَيْضاً فَلاَ تُقْبِل عَلَيْهِ إِقْبَالَ المُصَدِّق بِهِ، المُسْتَحْسِنِ إِيَّاهُ قَبْلَ عِلْمِكَ بِصِحَّتِهِ بِبُرْهَانٍ قَاطِعٍ؛ فَتَظْلِم فِي كِلاَ الوَجْهَيْنِ نَفْسَكَ، وَتَبْعُدَ عَن إِدْرَاكِ الحَقِيقَةِ». [«مداواة النفوس» لابنِ حَزْمٍ الظّاهِرِيّ]. الحمدُ لله ربّنا المعبود، والشُّكرُ له على مَنِّه وكرمِه غير المحدود. والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمدٍ صاحبِ المقَام المحمود، وعلى آلِه وأصحابِه وإخوانِه ما غرّدَ قمريٌّ وأورَقَ عُود. أمّا بعــدُ: قال ربُّنا -تبارك وتعالى-: {كُنتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. وجاء في «المسند» للإمام أحمد (١٧/٦١) (رقم ١١٠١٧) حديث عظيم؛ قال: حدثنا ابنُ أبي عدي، عن سُليمان، عن أبي نَضْرَة، عن أبي سعيد [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: «لا يمنعَنَّ أحدَكم هيبة النّاس أن يقول في حقٍّ إذا رآه، أو شهِده، أو سمِعه». قال: وقال أبو سعيد: وددتُ أنّي لم أسمعهُ(١). فـ: «لو أنّ العلماء -رضي الله عنهم- تركوا الذَّبّ عن الحق خوفا من كلام الخَلق؛ لكانوا قد أضاعوا كثيرا، وخافوا حقيرا، وأكثر ما يخاف الخائفُ في ذلك أن يَكِلَّ حُسامُه في مُعتركِ المُناظرة»(٢). «واعلم أنّ أكثر الناس إنّما هلكوا لخوف مذمّة الناس، وحُبِّ مدحهم؛ فصارت حركاتُهم كلُّها على ما يُوافِقُ رِضا الناس، رجاء المدح، وخوفا من الذم، وذلك من المهلكات؛ فوجبت معالجتهُ»(٣). قال أحمدُ بن حرب -رحمه الله-:«عَبدتُ الله خمسين سنةً؛ فما وجدتُ حلاوة العبادة حتّى تركتُ ثلاثةَ أشياء [وذكر منها]: - تركتُ رِضى الناس حتّى قدرتُ أن أتكلّم بالحق»(٤). «ومما ينبغي أن يعلم: أن العقل على ثلاثة أنواع: ١- عقلغريزي. ٢-وعقل إيماني مستفاد من مشكاة النبوة. ٣-وعقل نفاقي شيطاني، يظن أربابه أنهم على شيء؛وهذا العقل هو حظ كثير من الناس بل أكثرهم، وهو عين الهلاك،وثمرة النفاق. فإن أربابه يرون أن العقل إرضاء الناس جميعهم، وعدم مخالفتهم فيأغراضهم وشهواتهم، واستجلاب مودتهم، ويقولون: صلح نفسكبالدخول مع الناس، ولا تبغض نفسك عندهم؛ وهذا هو إفساد النفس»(٥). «وهو خُلُقٌ يقطع لسان صاحبه عن قول الحق، مخافة أن لا يرتضيَ بعضُ الناس قولهُ؛ فيُضمِروا له البغضاء ويسوموهُ أذا أو تهكُّماً: وكم سُقتُ في آثارهم مِن نصيحة ** وقد يستفيدُ البَغْـضَةَ المُتنصِّحُ»(٦). ومنه؛ فـ «الشابُّ المسلمُ قد تقضي عليه ظروف خاصّة بأن يسكُتَ عن بعض ما هو حق، ولكنّهُ إذا تكلّم لا يقول إلاّ الحق»(٧). حيث إنّهُ: «لا مانع مِن تصدُّر الشّاب إذا كان مؤهلاً لإفادة النّاس»(٨). «فالحقُّ عندنا أكبر بكثيرٍ وكثير من الأشخاص، والجماعات، والفِرَق، والحُكومات، والأحزاب... وغيرها، الحقُّ أكبر وأَجَل، وما خلق الله السماوات والأرض إلاّ بالحق. فأوصي الشَّباب باحترام الحقِّ والبحث عنه والوقوف إلى جانبه ولو كان ضد نفسه! ولو كان ضد أبيه وأمّه وعشيرته... أُوصيكم -يا إخوة- بترك التَّعصُّب للأشخاص، والمناهج، والأحزاب، والو لاءات الباطلة -ترك الباطل والولاء له-؛ فإنَّ هذا -والله- مزَّق الأمّة، والآن يُمزِّق الشَّباب المُنتمين إلى المنهج السَّلفيِّالتَّعصُّب لـ: (هذا) أو (ذاك). اجعل مقياسك الحقَّ الذي يقوم عليه الدَّليل والبُرهان؛ فإذا عرفت الحقَّ في أي جانب من الجوانب فَعُضَّ عليه بالنَّواجذ وتشبَّث به. واعلم أنّه أعظم عند الله من الأشخاص والجماعات، وأنّ الله يحبّ من يحبُّ هذا الحقَّ، يُحبُّ مَن ينصرهُ وينصره الله -تبارك وتعالى- ويؤيُّده»(٩). قلتُ: أَفَمَن انطلقَ مِن نصوص الكتاب والسنّة وما بين يديه من مأثور كلام العلماء والأئمّة في الصدّع بالحق والنّقد للخطأ؛ فكتب مقالا عنونه بـ: «التَّـذكِـرَة» -نصيحة للمُخطئ، وتنبيها لمن وراءه من الشباب السلفي- يُنتَقص، أو يُسَبُّ ويُشْتَمُ؛ بل قد يُطعن في نيّته من بعضهم؛ يُسلقُ بألسنة كالأسِنَّة؟! وأهونها أن يُرمى مِن قِبَلِهم بـ: التَّسرُّع؟ التَّعالُم؟! التنقُّص والطّعن؟!! بل نطق مَن ألفَيتُهُ صامتا وأُصيحابٌ له معه قد شحنوه؛ لينفجر (هناك) وحده على نفسه؛ حتّى كدتُ أن أسمع صدى انفجاره (هنا!) ولم يتعدَّ -في الحقيقة- شبراً فوق رأسه، وذراعا في جهاته الأربع! ثم ظهر لي بعدُ أنّ مِن الأسباب التي دفعته على قفاه هو القيظ الشديد مع العطش في رمضان والصيف؛ فربما أراد أن يكسُوَ حَالته الـمُزرية بِحُلّة منهجيّة -مادام الانفجار واقِعٌ واقِع-؛ وأنّها غيرة على المنهج السلفي ودفاع عن علمائه في الجزائر! فقال -وما أخفّ وأسخف ما قال-: مَن هو حتّى يَرُدَّ على الشيخ عبد الغني؟! وكذا صنع آخرٌ أو ما يُقارِبُ؛ خاتل فَرَقا وتسلل لِواذا، ثم أخذ يعدو عدو الظَّليم حتّى يتقحّم ما لا يُحسِن؛ ما أضراه! يُثيرُ الثّرى وينثُرُ الحصى...-وهو صاحب الأوّل، ومِن المحتمل أنه قد بلغه خبر انفجاره كونه أقرب إليه بكثير مِنّي- وزاد: (النّجم) أو (العَلَم)...؛ يعني: الشيخ عبد الغني عوسات -وفقه الله لما يُحبُّه ويرضاه-... ومنهم نوعٌ خاص كأنّي به لم يَر المكتوب أو اكتفى بقراءة العنوان فقط؛ فأوجس في نفسه خيفة مما قرأ، أو مما به مفرقُهُ قُرِع... وكأنّ المقال يُخطط لحادثِ اغتيال؛ يبعثُ على الخوف، ويزرع الرُّعبَ في النَّفسِ، أو جاء كاتبهُ بِأنكر منُكر! لا ندري! يتساءلون في كلّ مرّة ذلكم السؤال المُحيّر جدا: مَن [هذا] حتّى يَرُدَّ على الشيخ عبد الغني [النّجم؛ العلم]؟! حَسَــنٌ؛{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكرَ صَفحًا أَنْ كُنتُم قَومًا مُسرِفِينَ}؟! والإجابة على هذه الأسئلة نبدؤها مِن آخرها وذيلها لا من أوّلِها ورأسها؛ فتُنكَّس التُّهمُ في البدء قبل تعريتها من بهرجها المكسوة به؛ غير مبالين بإرجاف المُبطِلين وكلام البطَّالين -من المقلّدين والمتعصّبين-، سائرين على منهج السلف الصالح ومَن تَبِعهم بإحسان. {وَلا يَأتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفسِيراً}؛ {بَلْ نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ}. فأمّا بخصوص قول بعضهم: مَن الكاتبُ وما يكون حتّى يردَّ على الشيخ عبد الغني عوسات خطأه؟ فـأقــول: ألم يعلم هؤلاء وأولئك جميعهم: «أن الأقوال التي يراد المقابلة بينها، ومعرفة راجِحِها من مَرجوحِها أن يقطع النّاظرُ والمُناظرُ النّظرَ عن القائلين؛ فإنّه ربما كان ذكر القائل مغترا عن مخالفته، وتوجب له من الهَيبة أن يَكُفَّ عن قولٍ ينافي ما قالَهُ»(١٠)؟ «فيا أيها القارئ له [أي: للمقال]! لك غُنمُه وعلى مؤلِّفه غُرمُه، لك ثَمَرَتُه وعَليه تَبِعته، فما وجدتَ فيه من صوابٍ وحقٍّ فاقبله ولا تلتفت إلى قائله؛ بل انظر إلى ما قال لا إلى مَن قال، وقد ذمَّ الله تعالى من يردُّ الحقَّ إذا جاء به مَن يُبغضه ويقبله إذا قاله من يُحبُّه؛ فهذا خُلُقُ الأمَّة الغضبيَّة. قال بعضُ الصَّحابة: «اقبل الحقَّ مِمّن قاله وإن كان بَغيضاً، ورد الباطل على من قاله وإن كان حبيبا»، وما وجدت فيه من خطأ فإن قائله لم يألُ جهدَ الإصابة(١١) ويأبى الله إلا أن يتفرَّد بالكمال -كما قيل-. والنّقص في أصل الطَّبيعة كامن ** فَبَنُو الطَّبيعة نقصهم لا يجحد وكيف يعصم من الخطأ من خُلِقَ ظلوماً جهولاً؟ ولكن من عُدَّت غلطاتُه أقرب إلى الصَّواب ممن عدت إصاباته. وعلى المُتكلِّم في هذا الباب وغيره أن يكونَ مَصدَرُ كلامه عن العلم بالحقّ»(١٢). بل إنّ مِن: «التواضع [كما قال بعض السلف]: أن تقبل الحق مِن كل من جاء به، وإن كان صغيراً؛ فمن قبل الحق ممن جاء به، سواء كان صغيراً أو كبيراً، سواء كان يحبه أو لا يحبه؛ فهو متواضع، ومن أبى قبول الحق تعاظُماً عليه؛ فهو متكبر... وذلك يحصل من النظر إلى النفس بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص»(١٣). قال الشيخ أحمد بن عمر بازمول: «الأصل أن الكلام يُقبَلُ لِموافقته للحق، ويُرد لمخالفته للحق، لا لأنه قول فُلان أو فُلان، وقد قرّر أهل العلم قاعدة: (الحق لا يُعلّق بالرجال؛ اعرف الحق تعرف أهله)»(١٤). إذا؛ فالخطأ مردود على صاحِبِه، والإنكار عليه واجبٌ بدرجاته المقرّرة في الشرع حسب حالة المُنكِر لعموم قوله -صلى الله عليه وسلّم-: «مَن رأى منكم منكرا؛ فليغيّرهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(١٥). فـ: «يجب دفع الأضرار والمفاسد» و«يجب اجتناب ما يؤدي إليها، وفعل ما يقتضي انعدامها»؛ لأنّ: «الدّفع أسهل من الرّفع»؛ وإلاّ لترتّب على الحاصل إثره ما قد يُعجز عن إزالته بعدُ في الدنيا وإن حصل فبالمشقّة ولا بد، أو الإثم في الآخرة مادام قد وجبَ في حق مَن تعيّن عليه الإنكار ولم يفعل. كما يجب -سواء بسواء- على مَن وقف على الحق أن ينصاع له ويذعن -إثر إنكار المُنْكِر-؛ بل عليه أن يكون ناصرا له بنصحه للمُخطئ إن تيسّر، وأقلّها ألاّ يحرنَ بعناده في نصره المُنكَرَ ضِدَّ مَن أنكرهُ. قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية -رحمه الله-: «وإذا وقع بين معلم ومعلم، أو تلميذ وتلميذ، أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم الحق؛ فلا يعاونه بجهل ولا بهوى(١٦)؛ بل ينظر في الأمر فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره؛ وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره؛ فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله، واتباع الحق والقيام بالقسط؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَو عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَولَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرًا} يقال: لوى يلوي لسانه: فيخبر بالكذب. والإعراض: أن يكتم الحق؛ فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس. ومن مال مع صاحبه -سواء كان الحق له أو عليه- فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله. والواجب على جميعهم أن يكونوا يدا واحدة مع المحق على المبطل؛ فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله، والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله، والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله، والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله بحسب ما يرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء؛ فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه. فهذا هو الأصل الذي عليهم اعتماده»(١٧). وأمّا بخصوص تهمة: التنقص للشيخ عبد الغني عوسات والطعن فيه لردَّي عليه خطأه! فـأقــول: غاية ما صنعتُ؛ بيّنتُ زلقته المذكورة وعثرته المتكررة (في عبارتيه) في أحكامه على الأعيان (من المشايخ في الجزائر وطلبة العلم فيها) بقوله: «لا أنصح به» و«لا أعرفه»! وعلم الله ما انجرَّ من الضرر على شباب أهل السنة بسبب العبارتين؛ تدابُرا وتهاجرا وتحذيرا... والمقرر من القواعد أنّ: «الضرر يُزال». والعجب -حقا- أن ينحدر مستوى الفهم حتّى يحتكّ طرفه بجانب الجهل المُركّب؛ فيصير من رد خطأ فُلان هو طعنٌ فيه وانتقاص له؛ {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}! وَلِتعلم أن علماءنا على خلاف ما عليه القوم؛ تأمّل الآتي: سئل العلاّمة ربيع بن هادي: هل تنصحون بما يفعله بعض طلبة العلم في تجرّدهم لنقد كتب بعض علمائنا -صحّة وضعفًا-، كالنظرات في السلسلة والنظرات في صفة الصلاة؟ فأجاب: «باب النقد للألباني ولأمثاله مفتوح -والله- ولا يغضب من ذلك لا الألباني ولا أمثاله من حملة السنّة(١٨)، النقد المؤدَّب الذي يحترم العلماء، وليس له هدف إلاّ بيان الحقّ؛ فهذا بدأ من عهد الصحابة ولا ينتهي. فقد انتقد الشافعي مالكًا، وانتقد أصحاب أبي حنيفة، وانتقد أحمد -بارك الله فيك-؛ كلّ هذه المذاهب واستمر هذا النقد إلى يومنا هذا في شتى العلوم. فالنقد -يا إخوان- لا يجوز سدّ هذا الباب؛ لأنّنا نقول بسدّ باب الاجتهاد -بارك الله فيكم-. ولا نعطي قداسة لأفكار أحد أبدًا -كائنًا مَن كان-؛ فالخطأ يُردّ من أيّ شخص كان، سلفيًّا أو غير سلفي. ولكنّ التعامل مع أهل الحقّ والسنّة الذين عرفنا إخلاصهم واجتهادهم ونصحهم لله ولكتابه ورسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم التعامل معهم غير التعامل مع أهل البدع والضلال. وارجعوا إلى كتاب الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: «الفرق بين النصيحة والتعيير». إذ تكلّم وبيَّن فقال: بيان الهدى وبيان الحقّ لابدّ منه وقد انتُقد سعيد بن المسيب، وابن عباس، وطاووس، وأصحاب ابن عباس، وانتُقِدوا، وانتُقِدوا(١٩)؛وما قال أحد: إنّ هذا طعن، ما يقول بهذا إلاّ أهل الأهواء(٢٠). فنحن إذا انتقدنا الألباني ما نسلك مسلك أهل الأهواء فنقول: لا لا تنتقدوا الألباني، طيِّب؛ أخطاؤه تنتشر باسم الدين؟!! وإلاّ أخطاء ابن باز، وإلاّ أخطاء ابن تيمية، وإلاّ أخطاء أيّ واحد؟! أيّ خطأ يجب أن يبيّن للناس أنّ هذا خطأ، مهما عَلَت منزلة هذا الشخص الذي صدر منه هذا الخطأ. لأنّنا كما قلنا غير مرّة بأنّ خطأه يُنسب إلى دين الله... فالشاهد أنّ النقد لأهل العلم ومن أهل العلم ينتقد بعضهم بعضًا ويبيّنون للناس الخطأ تحاشيًا من نسبة هذا الخطأ إلى دين الله -عزّ وجلّ- هذا واجب ولا نقول: جائز... فالنقد هذا موجود ويجب أن يستمر للصغير والكبير والجليل والحقير من الأمور، بيان الخطأ وبيان البدع ونقد الأخطاء ونقد البدع، مع التصريح باحترام أهل السنّة وإثبات أنّ للمجتهد إذا أصاب أجرين، وإذا أخطأ فله أجر واحد، هذا ما ندين الله به في نقد أهل السنّة وليس كذلك أهل البدع»(٢١). «ومما يتعلق بهذا الباب؛ أن يُعلم أنّ الرَّجُلَ العظيم في العلم والدِّين -من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم- قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظَّن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتّباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المُتّقين، ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتّباعه عليه(٢٢)، وطائفة تذُمُّه فتجعل ذلك قدحا في ولايته وتقواه(٢٣)، بل في بِرِّه وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان(٢٤)، وَكِلاَ هذين الطَّرفين فاسدٌ، والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الدَّاخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال عَظَّم من يستحق التَّعظيم وأحبَّه ووالاه، وأعطى الحقَّ حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أنّ الرَّجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه، ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة(٢٥)، خلافاً للخوارج والمعتزلة ومَن وافقهم»(٢٦). وعليه: فـ: «نحن حين نحكم على الأشياء نحكم عليها بآثاراها، وآثار هذا الغلوِّ في المسلمين كانت الشّرَّ المستطير والتفرُّق الماحق. ونحن إذ ننكر، إنّما ننكر الفاسد من الأعمال [والأقوال]، والباطل من العقائد، سواء علينا أصدرت من سابق أم مِن لاحق، ومن حيٍّ أم من ميّت؛ لأنّ الحكم على الأعمال [والأقوال] لا على العاملين [والقائلين]. وليس صدور العمل [أو القول] الفاسد مِن سابق بالذييُحدثُ له حُرمة أو يُصيِّرهُ حُجّة على اللاّحقين، بل الحجة لكتاب الله ولسنة رسوله، فلا حقّ في الإسلام إلاّ ما قام دليله منهما واتّضح سبيله من عمل الصّحابة والتابعين بهما، أو إجماع العلماء بشرطه على ما يستندُ عليهما. وبهذا الميزان فأعمال الناس إمّا حقٌّ فيُقبل، أو باطلٌ فَـيُرَدُّ»(٢٧). * تنبيـهٌ أوّلٌ: هناك من اعتبر أنّ لازم قولي -كما في الحاشية رقم (٦)-: «والشيخ عبد الغني ليس من العلماء، ولم أعتقد فيه مرتبة العالم مرّة، وهذا -ربما!- يجعل البيان لخطئه آكد؛ رقعا للثّلمة وإزالة للزّلل...»؛ من التنقُّص أو تفوح مِنهُ رائحتُهُ، أو طعن مُبطّن. أقول: إنّ لازم القول لا يلزم أن يكون قولاً، وإنّ الاستناد للازم قولي الآنف -هذا إن كان فيه اللازم- أمر ظنِّيٌّ لا يُقطَعُ به؛ فكيف إذا صرّحتُ بضده ونقيضه؟! قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-: «فما كان مِن اللّوازم يرضاهُ القائلُ بعد وُضوحِه له؛ فهو قوله، وما لا يرضاهُ؛ فليس قولهُ، وإن كان مُتناقِضاً... فأمّا إذا نفى هو اللُّزومَ لم يَجُزْ أن يُضافَ إليه اللازم بحال»(٢٨). قلتُ: وما دُمتُ قد نفيتُ الطّعن في الشيخ عبد الغني عن نفسي؛ فمن نسبهُ لي بعدُ باللاّزم فقد كذب، وبئس الزّاد يوم المعاد العدوان على العباد؛ قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «وأمّا قول السّائل: هل لازم المذهب مذهبٌ أم ليس بمذهب؟ فالصّواب: أنّ [لازم] مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه، فإذا كان قد أنكرهُ ونفاه كانت إضافته إليه كذباً عليه»(٢٩). ولو ظنّ بعض من اعترى قلبَهُ الهوى؛ بأن لا يرفع رأسا بكلام ابن تيمية -رحمه الله- ويمضي في عمايا لا يردّه راد؛ فأقول له ولأمثاله: هل تحِبون أن نلزم الشيخ عبد الغني -وفقه الله للخير- بعبارتيه بعد أن قال له متّصله: «... وكما لا يخفى عليكم بأنّا يعني نحن نأخذ عنه العلم [يعني: الشيخ لعويسي]؛ لأنّ الشيخ محمد بن ربيع (الشيخ ربيع) يعني نصـحـنا بـه، وكذلك الشيخ ربيـع، وكذلك الشيخ العتيبي، وكذلك الشيخ جمال أبو فريحان، وكذلك الشيخ وصـي الله عبّاس... هؤلاء المشايخ والآخرين نسيتُهم». فلازم كلامه عدم قبول خبر الثقاة (من العلماء والمشايخ) وكلّهم ينصحون بالشيخ لعويسي؛ فيأتي هو ليقول -معارضا لهم-: لا أنصح به! وعند ذاك فلا تثريب على كلّ من ألزم غيره بما لا يلزم. ولكن... أين تذهبون؟ وأنّى تُصرفون؟! * تنبيـهٌ ثانٍ: هناك مَن اعتبر ما في الحاشية رقم (٦) حيثُ لم أعتقد أنّ الشيخ عبد الغني مِن العلماء كما قال عنه ذلك الشيخ عُبيد الجابري تنقص للقائل نفسه! وأقولُ: قال العلامة ربيع بن هادي -حفظه الله-: «... هذا منهج يسير عليه أهل السنة والجماعة وأهل الحديث، وهو أنَّ مَنْ علم حجة على مَنْ لم يعلم، وأنَّ الجرح مقدَّم على التعديل، وأنه لا غضاضة في هذا ولا نقص من أي إمام يزكِّي رجلاً ثم يأتي من هو مثله أو دونه فيثبت بالحجة والبرهان الطعن في هذا الرجل الذي زكَّاه ذلكم الإمام. لا ضير في هذا، ولا حرج، ولا يقال تنقص، ولا يقال مخالف، ولا يقال شيء، لماذا؟ لأنهم يدورون مع الحجج والبراهين، لا يريدون إلا الحق، ولا يريدون إلا وجه الله -عز وجل-؛ فلا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يقول: والله زكَّاه أحمد فلماذا أنا أجرحه؟! والله هذا غلط، ما يقولون هذا الكلام، بل يصدعون بالحق، ويتلقاه أئمة السنة كلهم بصدورٍ رحبة، لا يرون في ذلك حرجاً أبداً؛ لكن الآن نحن في عصر الظلمات، والجهل الكثيف، الذي شنَّه أهل البدع والأهواء على منهج أهل السنة والجماعة. فالإمام أحمد (إمام أهل السنة)؛ ما قال أحد: أنَّ مخالفة ابن وارة وابن خزيمة وغيرهم ممن جرَّحوا (محمد بن حميد)؛ ما قالوا إنهم ينتقصون الإمام أحمد أو يخالفوه! لا؛ كلهم سلَّموا. فتجد أصحاب أحمد وأصحاب الشافعي، إذا كان الرجل مدحه أحمد وجرَّحه غيره والحجة معهم، يقبلون جرح صاحب الحجة، وكذلك أتباع الشافعي، إذا زكى مثل: (إبراهيم بن أبي يحيى)، وجرحه غيره، تلقوا هذا الجرح بالقبول، وما قالوا: والله إمامنا، والله نتعصب له، لأنه زكَّى فلاناً، ونحن بهذه العصبية العمياء نثبت أركان هذا الرجل المجروح، وندفع بحجة إمامنا الحجة والبرهان؟! حاشاهم أن يقولوا هذا. وهكذا يكون تربوا على هذا المنهج المبارك الطيب، ويجب ترك التعصب لأي شخصٍ -كائنا من كان- إلا محمداً -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو الذي لا ينتقد ولا تقبل مخالفته من أحد؛ فإنَّ محمداً -صلى الله عليه وسلم- يدور مع الحق أينما دار، وأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كذلك يدور معهم الحق أين ما داروا، ومن عداهم «فكل يؤخذ من قوله ويرد»»(٣٠). قلتُ: ويعجبني تعليق الأخ نورس الهاشمي في «شبكة سحاب»-بعد أن ساق بعضا من كلام أهل العلم في هذا الباب- قوله متعجبا: «فكيف إذا كان بعض الناس يرفع هذه التزكيات في وجه مَنْ يخطَّئ شيخه الذي يتعصَّب له، ويرد عليه في بعض المسائل من غير تجريح؟!»، وما أحسن ما قال فقد صدق بحق. وأمّا: أن المقال يكشفُ عن تعالُمِ صاحبه (عبد الغني) لردّه على العالم (الشيخ عبد الغني عوسات)! فـأقــول: إن شطرَ هاته التُّهمة المُصوّبة في وِجهَتي يُسقِطُها ما سبق بيانه؛ «لأَنها كفيلة بأَن يقوم بردها على عقبها صدورها فيستغنى عن تسويد الأَوراق بمطارحته فيها، ولأَنها تحكم على قائلها، ومُرَوِّجِها»(٣١): لأنّ الرَّدَ على الخطأ يكون من الكبير والصّغير؛ مادامت العبرة بما قرّر الرادُّ في ردّه من الحق بعلم وما أورد من العلم بحق، وأنّه لا يُسكتُ على جليل أو حقير -سواء كان الخطأ أو المُخطئ نفسهُ-، ولا يعدُّ هذا طعنا وما عُدَّ، ومَا عَدَّ ذلك كذلك إلاّ أهل الأهواء... وأمّا ما بقي فعليه الدَّور: جَاءَت تَهَادى مُشْرِفاً ذُراها ** تَحِنُّ أُولاهـا علـى أُخْراهـا لقد بَنيتُ ردّي لذلك الخطأ على معنى عبارَتَيْ: «لا أنصح به» و«لا أعرفه»! مستندا -في مقالي- إلى كلام العلاّمة المحدّث مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله-، بنقلي من كتابه «تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب» الفتاوى (رقم٤٨، و١٤٠، و٢٢٢)؛ فأثبتُّ بما لا يقبل دفعا -والله أعلم- أن العبارتين: «اصطلاحٌ خاصٌّ به وحده لم أعلم من سبقه إليه قطّ، خاصّة إذا فسّر عدم النُّصح بعدم المعرفة! أو عدم التحذير بعدم النصح!»، هذا ما صرّح به الشيخُ عبد الغني بنفسه في جلسة له كان يُناقِشُهُ ويسألُهُ فيها من بين الحضور أخي الفاضل طارق قاضي في مدينة باتنة؛ شتاء العام الماضي،هذا أولا. ثانيا: «المتعالم هو: المتشبع بما لم يعط، الدخيل على العلم وأهله، وهو يحمل في جعبته الغثاء من السخافة، والغرائب والأغلوطات، والكذب، قد تزيا بزي العلماء في سمته وهديه، متظاهرا بالعلم، مدعيا دعاوي عريضة، مقداما بجرأة شديدة مريضة بحب الظهور، ويقول الكذب، ولا يستحي من الحق، ولا من الخلق، ويختلق الغرائب، ويأتي بالعجائب يدعي الاجتهاد، وداءه العناد، ويكره العلماء أهل الإسناد، أظهر لهم الحسد، وله البغضاء من كل أحد، لا يقبل نصحا ولا يرضى لنفسه توبة ولا صلحا... حدث، غر صغير، وربما هو في السن شيخ كبير...»(٣٢). أو قُلْ: «إن من ظواهر التعالم: ١- التزيد في الكلام والمجاهرة بمخالفة الأعلام بدعوى أنه على علم بدقائقالأفهام، وسلامة فكر المتأخرين في موافقة نهج المتقدمين... ٢- التجرّؤ على الفتيا: فتراهم -المتعالمين- يسارعون إلى الكلام في مسائليتوقف فيها شيوخ الإسلام وأئمة الأعلام... ٣- ومن ظواهر التعالم: الإقدام على الكتابة العلمية -تأليفا وتحقيقا- مع إزجاء البضاعة... وكم من علوم طرقها من غير بابها وهو لا يحسن ما فيها؛ فأخطأهاوأفسدها والساحة العلمية تعج بالمتعاملين عجيجا، وأحدث فيها ضجيجا، فتجدتحقيقاتهم العجائب وفي تعليقاتهم الغرائب...»(٣٣). قلتُ: أعوذ بالله أن يكون لي نصيب من هذه الصفات، وأُعيذُ كل أخ ودود شفوق أن يتلطّخ بمعيب هذه النّعوت، والتي يشقى بها صاحبها -دنيا وآخرة- ما لم ينزع منها ويرجع إلى ضدّها. أخي! إن وجدت فيّ (أنا) ما تراه سيئا أو خلاف ما أبرأ منه وربما لم أره؛ فأنا لنصيحتك مستقبِلٌ وقابِلٌ، وبها فَرِحٌ، وإليها مُنتظرٌ؛ قدوتي في هذا الإمام المجدد محمد بن عبد الوهّاب النّجدي -رحمه الله- حيث قال: «وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم على دين الله ورسوله أنّي مُتّبع لأهل العلم، ما غاب عنّي مِن الحق وأخطأتُ فيه؛ فبيِّـنوا لي. وأنا أشهد الله أنّي أُقبِّل على الرّأس والعين، والرّجوع إلى الحق خيرٌ مِن التّمادي في الباطل»(٣٤). «إن كان الذي سطرتُهُ باطلاً نصرتني ببيان الحق لي بدلائله وبراهينه، وأنا مستعد أن أقبل منك وأشكرك وأدعو لك لأنكَ رحمتني من إثم وظلم كدت أن أقع فيه، بشرط أن يكون ذلك النقد مفصلاً بالبراهين الساطعة والأدلة القاطعة التي تبين خطئي، أما أن... تترك القراءة وتحمل عليَّ حملة شعواء بلا دليل؛ فهذا لا أقبله منك ولا أوافقك عليه أبداً»(٣٥). ومالي إلاّ آل أحمـدَ شيعةٌ ** ومالي إلاّ مذهبَ الحقّ مذهبُ قد يقول قائل: لكن لك مشاركات -كالمقال الأخير مثلا- وبعض الكتابات، لم يدفعك للإقدام عليها إلاّ التّعالم وربما كانت بضاعتُك مزجاة، ثم مَن أقرّك عليها من طلبة العلم والمشايخ؛ فهذا تقدّمٌ بين يديهم، وكلُّ هذا مَعيِبٌ. فأقول: إن كان يكتنفُها خطأ أو يعتريها خطل أو جهل؛ فأنا لِمَن صوّبني فيها -علميا ومنهجيا- (أعني: المشاركات تلك) لَمِن الشاكرين. وأزيدُ: مَن قال أنّي لم أعرض أو لا أعرِض ما كتبتُ أو أكتُبُ على طلبة العلم والمشايخ؟ ثم هل وجبَ عليَّ -فرضاً- أن أُصرِّح كلّ مرّة بمن راجع لي وأقرّني على ما أكتُب(٣٦)؟ ومِن باب قول الله -تبارك وتعالى-: {وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أقول مضطرا -والفضل لله أولا وآخرا-: لقد وفقني الله أن أعرض ما أكتبُه على أهل السنة من طلبة العلم المعروفين، والمشايخ الطيّبين، وممّن زكّاهم العلاّمة مقبل الوادعي والعلامة ربيع بن هادي أو من في طبقته كالعلاّمة عبد المحسن العباد وغيرهم، في بلاد شتّى؛ كمدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، ومكّةَ -زادها الله تكريما-، والأردن، ومِصرَ... فالحمد لله ربّ العالمين. فأين التّعالم المزعوم؟ أم أنّه تلاعُبٌ بعقول القُرّاء والسّامعين؟ الله المستعان! أمّا الآخر وليس أخِيرا: وأن كتابة هذا المقال يُصوّرُ التّسرُّع بالردّ على شيخ السلفيين في الجزائر! وأقـــول: هذا رجمٌ بالغيب ووصمٌ للمَعنيِّ بالعيب، وإلاّ فكيف عرف صاحب هذه التّهمة المتهاوية أنّ هذا من قبيل التسرُّع؟ وما حدُّ وضابط الفعل أو القول (عنده) كي يكون تسرُّعا أو لا يكون، ومتى يكون مَشوباً به؟ وَزِن الكلام إذا نطقـتَ فإنّمـا ** يُبدي عقولَ ذوي العقولِ المنطِقُ قال العلامة صالح بن فوزان: «من آداب طالب العلم أنه لا يتسرع في إصدار الأحكام والفتاوى؛ بل يرجعُ إلى من هو أفقه منه، وإلى من هو أعلم منه...»(٣٧). قلتُ: ولقد رجعتُ لعلاّمة اليمن المحدّث مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- من الأموات واكتفيتُ به دون غيره مِن الأحياء ممن ليسوا في مرتبته. ثم؛ ألم ينظر إلى حاشية المقال رقم (١٣) حيث قلتُ -وقتئذ-: «إلى هنا انتهى المقصود من المكالمة المسجّلة، وقد نُشرت العام الماضي ١٤٣٢هـ». كانت المكالمة قبل رمضان الفائت؛ في صيف العام الماضي، والمقال هذا في آخر شعبان من هذا العام. لقد حال عليها الحول -يا هذا-، ووجب إخراج زكاتها، وزكاتُها -كما يعلم مَن يؤدّي هذا الركن في الدينار والدّرهم والزّروع... لبلوغ النِّصاب- أن يخرج من جنسها إمّا رُبع عشرها أو نصف عشرها أو عشرها...؛ عبادةً لله ربّ العالمين؛ فريضة. أضف إلى هذا، الخطأ انتشر والردُّ عليه يكون على نفس المستوى وبنفس الوتيرة (منشورًا) كما قرّر أهل العلم ذلك، ولعلّه مر بنا طرف منه فَسُقْتُه أعلاه، وما يدلُّ على ذلك أنّي قلتُ في «التَّـذكِرَة»: «ولمّا تكرّر منه صدور ذات الحكم بنفس الألفاظ وفي نفس الأشخاص؛ تَبِعَهُ -بعدُ- عليه مَن جَهِل الحقائق وحُرِمَ التحقيق (مِن الشباب) يُقلّدهُ ويتعصّب له فيما يسمع منه؛ لتعظيمهم الشيخَ عبدَ الغني في أنفسهم، ومن هُنا تأتّى الخَلل!». أم أنَّ المقال لم يُقرأ ويأتي مَن يأتي ليملأ الدنيا علينا صُراخا بزعم الدفاع عن الحق وأهله؟ ما هذا؟!! وأُضيفُ قائلا: لقد رُدَّ (أو قُل: نُبِّهَ) على خطئه في العبارتين المعروفتين عنه أكثر مِن واحد (منها المسجّل ومنها غير ذلك)، وحتّى اللحظة لم يظهر منه -أقول: فيما أعلمُ- الرجوع عمّا انتُقد عليه، ولهذا قلتُ سابقا وأقول الآن كذلك: «عسى الله أن يوفقه للرجوع عنها فترجع وراءه شبيبة أنهكها الجدال وشتّتها التّعصُّب طرائقَ قِدَدا»؛ آمين. ولا أزيد عن هذا بخصوص هذه؛ إذ: «ليس كلُّ ما يُعلَمُ يُقال» ونِعم ما نصحَ به النَّاصح: «لا تتكلّم بكلّ ما تعلم؛ فكفى بذلك جهلا»(٣٨). فأين التّسرع الموهوم؟ إنّ التّسرّع في الحقيقة -كما ترى- صدر مِن الرَّامي لا مِن المَرمي به؛ ولا أقول -رغم ذلك كلّه-: «رمتني بدائها وانسلّت»! فاللهم ارزقنا الصّبر. بقي أن ننبّه كلّ مَن خرج عن نطاق العلم والحلم بسلوك سبيل معوج، ذرب اللسان، فيُؤذي بالطّعن في عِرْضِ أخيه بالطُّول والعَرض -تنقيصا وشتما-؛ ردّا للاعتبار من باب: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا}، أو سَوّلت -وتُسوِّلُ- له نفسه بالتّعدّي على النيّات والقلوب التي في الصُّدور؛ ليكشف عن مخبوئها وما تُخفي؛ بزعم أنّ نيّته في المقال كَيْت وذَيْت، ويُريد به التعريض بفلان أو عِلاّن...! اعلم -أصلحك الله- أنهُ: «لا يجوز لأحد أن يُنقّب عمّا في قلب أحد، ولا يجوز لأحد أن يرمي أحدا في نيته؛ فأمر هذا الباطن موكول لله رب العالمين، وأمر النيات إنما يطلع عليه ستّير العيوب وعلاّم الغيوب»(٣٩). و«ليكن حظُّ المؤمن منك ثلاث خصال: إن لم تنفعهُ فلا تضرّهُ، وإن لم تسرّهُ فلا تغمّهُ، وإن لم تمدحهُ فلا تذمّهُ»(٤٠)؛ «وذلك أنه ما لَم يعرف حقيقة الشيء فلا يجوز أن يمدح ولا أن يذُم»(٤١). ثمّ: «ما الذي يريده القوم، وما الذي يفتؤونه؟!... إذا أثبتنا أن [الشيخ عبد الغني أخطأ خطأ بيِّـنا] وسُقنَا أقوال أهل العلم(٤٢) الدالّةِ على ذلك؛ فَزِعوا، وتكأكؤوا علينا وأوسعونا تجديعاً وسبّاً وشتما؛ لأنّهم -لعلّهم!- قد وجد بعض شيوخهم مخطوطاً لم يعثر عليه أحدٌ من قبلُ، وهذا المخطوط قد كُتِبَ في الحظِّ على الجهاد ولعلّ فيه بابا في الجهاد بالسَّب والشتم، والتجديع والتنقيص لكل من خالف ولو كان على الصواب وكانوا -في الحقيقة- على الخطأ؛ لعلّهم!»(٤٣). أم أنّ القاعدة تقول: «كل شيء مشروع في الحُبّ والحرب»؟! نهيتُك لا تعجل بعتب لصاحبٍ ** لعـل لـه عـذرا وأنت تلـوم ولكن، يا أخي: لعلّ عَتْـبَكَ محمـودٌ عواقِبُهُ ** وربّما صحّت الأجسامُ بالعِـلل! جاء في «معجم الأدباء» لياقوت الحموي الرومي (٣/١٢٦٩): «حدّث النّضر بن شميل قال: كان أصحاب الشعر يمرُّون بالخليل [الفراهيدي] فيتكلّمون في النّحو، فقال الخليل:لا بُدّ لهم مِن أصل؛ فوضع العروض. وخلا في بيت، ووضع بين يديه طِستاً أو ما أشبه الطّست؛ فجعل يقرعه بعود ويقول: فاعلن مستفعلن فعولن، قال: فسمعه أخوه؛ فخرج إلى المسجد؛ قال إنّ أخي قد أصابه جُنون؛ فأدخلهم عليه وهو يضربُ الطّستَ؛ فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، مالك؟ أصابك شيءٌ؟ أتُحِبُّ أن نعالجك؟ فقال: وما ذاك؟ قالوا: أخوك زعم أنّك قد خُولِطتَ؛ فأنشأ يقول: لو كنتَ تعلم ما أقولُ عذرتني ** أو كنتَ أجهلُ ما تقولُ عذلتكا لكن جهـلتَ مقالتي فعـذلتني ** وعلمتُ أنكَ جاهل فعـذرتكا». فما أشبه الليلة بالبارحة! قال الشاعر: رعى اللهُ قلبي ما أبرَّ بمن جفا ** وأصبرهُ في النائبات وأجملاً وأُذكِّرُ نفسي بِبَيتِ الشاعر الآخَر: ترفّق أيّها المـَوْلى عليهم ** فإنّ الرفقَ بالجاني عِتابُ _____%%%%%%%%%_____ ... وبعـد: فقد حاولت أن أجد في كلام هؤلاء الشباب المُنتقدين للمقال عند وأثناء وبعد نشره ما يشبه كلام طُلاب العلم؛ فخاب ظنّي ورجعت صِفرَ اليدينوبخُفّي حُنين، غير أنّي رجعتُ أجرُّ الخيبة من قَرنَيها... أتدرون ما السبب؟ لأنّهم في الجملة -إلاّ مَن رحم ربّي وعصم- ممن بلغتني تعليقاتهم المكتوبة والشفهية مردوا على التقلـيد، وأمثلهم طريقة مُتلطّخٌ بوحله أو فيه نصيب من رذاذ التّعصُّـب! هذا ما أورثهم التّعسُّف في الحكم والكيل بميزان مختل الكفّتين؛ فـ: {وَيْلٌ لِلمُطَفِّفِينَ () الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوفُونَ () وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ () أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ () لِيَوْمٍ عَظِيمٍ () يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ}. قال ابن القيم -رحمه الله- في «تهذيب السنن» (١/١٢٢): «والإنصاف أن تكتال لمنازعكَ بالصاع الذي تكتال به لنفسك؛ فإن في كل شيء وفاء وتطفيفاً». أمّا سِمَتُهم فالجـهـل وهو المرض والدّاء -كما قال ابن القيّم في «النونيّة»-، واشتراكهم فيه من غير سويّةٍ؛ فَمُكْثر... ومُقلّ، «وما أكثر المرضى في شباب المسلمين الملتزمين بالدين ظاهراً، أكثرهم مرضى -إلا من رحم الله- مرضا يُشخّص -ليس سبا ولا ثلبا؛ لا- يعرفه المتخصص فيه. المتخصصون يعرفون هذا ويُشَخِّصونه وإن لم يُعرِبوا عنه وإن لم يبوحوا به، لكن أكثرهم مرضى. ومَن لم يكُن مريضا فهو مضطربٌ نفسيا؛ لا سواء عنده ولا استقرار، السواء النفسي أبعد ما يكون لأنّه ليس على منهاج النّبوّة؛ ومنهاج النبوّة صراط كامل وبِناءٌ مُتكامِل. وأمّا الذي يأخذُ النُّتفَ، والذي يتّبعُ ما هنالك مِن القطع المُتناثرة؛ فهذا مُشتّتٌ ضائع وإن كان ظاهره على خير، إلاّ أنّ نفسه مُمزّقة ونياط قلبِه مُقطّعة... هل هناك امتراءٌ مِن وُجوب أن يخلع نفسَهُ مِن تلك الثياب النّجِسة التي صار فيها -وإن كانت في ظاهرها على السّويّة-، وأن يعود إلى الحق، وأن يُسْلِم زِمام قلبه إلى الصّدق... هذه الخلافات التي تراها بين كثير مِن جماهير المسلمين؛ من أهل السنّة -حتّى في الطريق الواحد!-! لا أقول: بين المُختلفين؛ بين أهل البدعة -بجماعاتهم، وفِرَقهم، ونِحَلِهم، ومِلَلِهم... وما أكثرها كما أخبر الرسول- وأهل السنّة؛ لا؛ لكن بين أهل السنّة أنفسهم مِمّن هُم على الجادّة! تنشعب طريقهم أحيانا بانحراف يسير، ثمّ ما يزال يقوى -حينا بعد حين- وإذا هو: التّدابُر، والخصام، والتّنازع، والفجور في الخصومة! هل هذا مِن منهاج النّبوّة؟ هل هذا ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-؟! أوهامٌ في أوهام! وعقولٌ فارغة! ونُفوسٌ مريضة! مَرْضَى -يا أخي-، يعلم ذلك مَن يعلمُه مِمّن تخصّصَ فيه؛ هذا واقع! بِشهوات الغَي، واتّباع الهوى، وذَوقِ حظِّ النّفس... إلى غير ذلك مِمّا وراءه. وإلى الله المُشتكى، والله المستعان»(٤٤). وقد كنتُ قبلُ أحسن الظنّ ببعضهم من بُعد؛ حيث كان يظهرُ عليهم الإنصاف والتّجرُّد للحق -وهو واحد لا يتعدد- بالبحث عنه «أنّى مالت مضاربُهُ، وأنّى استقلّت رواحِلُه. ... بعقل متجرّد وفكرٍ وثّاب؛ فإن الله -جلّ وعلا- يهدي من طلب الهُدى»(٤٥). قال العلاّمة محمد صديق حسن خان -رحمه الله-: «وإنّما يَعرِفُ الحقّ من جمع خمسة أوصاف؛ أعظمها: الإخلاص، والفهم، والإنصاف، ورابعها -وهو أقلّها وجودا وأكثرها فُقداناً- الحرص على معرفة الحق وشدّة الدعوة إلى ذلك»(٤٦). وهو عين ما قاله ابن الوزير-رحمه الله-: «... لمن صنِّفت لهم التّصانيف وعُنيت بهدايتهم العلماء، وهم من جمع خمسة أوصاف؛ معظمها: الإخلاص، والفهم، والإنصاف، ورابعها -وهو أقلّها وجودا في هذه الأعصار- الحرص على معرفة الحق من أقوال المختلِفين، وشدّة الدّاعي إلى ذلك الحامل على الصّبر والطّلب كثيرا، وبذل الجهد في النّظر على الإنصاف، ومُفارقة العوائد وطلب الأوابد»(٤٧). «بخلاف حال الجاهـل ضيّق الفِطَنِ، الذي يرى أنَّ مَن خالفه أو خالف مَن يُعظِّمه قد فعل إثماً عظيما، وهو معذورٌ، بل ربّما كان الصّوابُ معه. فهذه حالةٌ لا يرتضيها أحدٌ من أهل العلم، ونسأل الله العافية منها ومِن كلّ ما لا يحبُّه الله ورسوله»(٤٨). «وحتى لا يقع العبد في الظلم والبُهتان والتّجاوز والعدوان وهو يلتمس العدل والإحسان: فلا بد أن يكون العلم والفرقان مرآته العدل والميزان ومن علم عمل به على حقيقته وصفته، أما الجاهل فلا يتصور منه العدل في قضية شرعية يجهلها(٤٩)، ولما كان العدل لابد أن يتقدمه العلم؛ إذ من لا يعلم لا يدري ما العدل»(٥٠). قلتُ: ومن هذا أسست قواعد أهل الحديث الثابتة كـ: «من علم حجة على من لم يعلم»، ومنه: «المثبت مقدم على النافي»... أو ربما بعبارة أخرى -كما يُقال-: «عدم العلم بالشيء ليس معناه عدمه». المـُهِـم؛ «على الإنسان أن يُوطّن نفسه على قبول الحق والرّجوع إليه -مهما كان أسلوب الرّاد-؛ حتّى ولو تشدّد، حتّى لو فعل ما فعل؛ الإنسان يقبل الحق»(٥١)، و«ليكن ضالة عقلك التي ينشُدُها، ونجعتُهُ التي يرتادُها: الحق، فاحكم به ولو على نفسِك، ولا تكن ممن تأخذه العزّة بالإثم، فلا يصغي إلى الحق لكونه صدر عمّن هو أدنى -على ما يُعتقد-؛ بل العاقلُ يأخذ الحكمة حيث وُجِدت، وليس في الحق صغير ولا كبير، ولا تُحابِ صديقك في الحق؛ فالحق أجدرُ بالصداقة منه»(٥٢). الحقُّ قد تعملهُ ثقيلاً ** يأباهُ إلاّ نفـرٌ قليلٌ! ولا يكون هذا متحققا إلاّ بأسبابه، فأوّله وذروة سنامه هو العلـم المؤسّس على موادّه -كما سبق- ومنها: ٥- الإنصاف:١- الإخلاص لله ربّ العالمين ومحلّهُ القلب: قال الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُم أَو تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}. وقال -صلى الله عليه وسلّم-: «إنما الأعمال بالنّيات وإنّما لكل امرئ ما نوى...»(٥٣). ٢- الفهـم السليم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وليس في الكتاب والسنّة والإجماع باطلٌ، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس أو يفهمون منها معنى باطلا؛ فالآفة منهم لا من الكتاب والسنّة»(٥٤). ولا يفوتُني (هُنا) أن أُتحفكَ -أخي القارئ- بقصّة في ذا الباب وبيان مغبّة نقيضه مِن «سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي» (٢/٣٣٤): «قلتُ [البرذعي]: بشر بن يحيى بن حسان؟ قال[أي: أبو زرعة]: خراساني؛ من أصحاب الرأي كان لا يقبل العلم، وكان أعلى أصحاب الرأي بخراسان؛ فقدم علينا، فكتبنا عنه، وكان يُناظر؛ فاحتجوا عليه بطاووس؛ فقال بالفارسية: يحتجون علينا بالطيور! قال أبو زرعة: كان جاهلا، بلغني أنه ناظر إسحاق بن راهويه في القرعة؛ فاحتج عليه إسحاق بتلك الأخبار الصحاح فأفحمه؛ فانصرف ففتش كُتُبَهُ فوجد في كتبه حديث النبي -صلى الله عليه وسلّم-: «نهى عن القزع». فقال لأصحابه: قد وجدتُ حديثا أكسر به ظهره؛ فأتى إسحاق فأخبره. فقال إسحاق: إنما هذا القزع! أنه يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض». ٣- الحرص على معرفة الحق وبذل أسبابه: «فإنّ على الحق نوراً»(٥٥) كما قال عُبادةُ بن الصّامت -رضي الله عنه-. قال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: «إيّاك والتّلوّن في دين الله؛ فإنّ دين الله واحد»(٥٦). وقال الأوزاعي -رحمه الله-: «ندور مع السنّة حيث دارت»(٥٧). وقال العزُّ بن عبد السلام -رحمه الله-: «إنّ الله لم يجمع الصّواب كلّه لواحدٍ، ولذلك شُرعت المشاورة؛ فإنّ الصّواب قد يظهر لقوم، وقد يغيبُ عن آخرين، وقد قيل للشافعي -رحمه الله-: أين العِلم كلّهُ؟ فقال: «في العَالَمِ كلّه»؛ يعني: أنّ الله فرّقهُ في عباده، ولم يجمعه في واحِدٍ»(٥٨). ٤- مُفارقة العوائد، ومنه نبذ التّعصّب وترك التقليد: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «ألاَ لا يُقلّدن أحدكم دينه رجُلاً، إن آمن آمن! وإن كفر كفر! فإن كنتم لابد مقتدين فبالميت؛ فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة»(٥٩). و«اعلم أن المقلدين اغتروا بقضيتين ظنوهما صادقتين، وهما بعيدتان من الصدق...[وذكر منهما]: ظنُّ المقلدين أن لهم مثل ما للإمام من العذر في الخطأ. وإيضاحه: أنهم يظنون أن الإمام لو أخطأ في بعض الأحكام وقلدوه في ذلك الخطأ يكون لهم من العذر في الخطأ والأجر مثل ما لذلك الإمام الذي قلدوه؛ لأنهم متبعون له فيجري عليهم ما جرى عليه. وهذا ظنٌّ كاذب باطل -بلا شك-. لأن الإمام الذي قلدوه بذل جهده في تعلم كتاب الله وسنة رسوله وأقوال أصحابه وفتاويهم. فقد شمر وما قصر فيما يلزم من تعلم الوحي والعمل به وطاعة الله على ضوء الوحي المنزل. ومن كان هذا شأنه فهو جدير بالعذر في خطئه والأجر في اجتهاده»(٦٠). وعليـه: فإنّهُ: «مَنْ عَلِمَ الخطأ وبان له فلا يسوغ له أن يقلِّد عالما خَفِيَ عليه الأمر، وقد قدمت لكم أَمسي أن اجتهادات العلماء غير معصومة، ولهذا لا يجوز أن تُتخذ منهجا، نعم»(٦١). و«نصيحتي لكم أن تدرسوا، إذا تُكُلِّم في شخص، أن تدرسوا عنه، وتأخذوا أقوال النَّاقدين وتفهمونها، وتتأكَّدون من ثُبوتها؛ فإذا تبيَّن لكم ذلك فليحكم الإنسان مِن مُنطلق الوَعي والقناعة لا تقليداً لـ: (هذا) أو (ذاك) ولا تعصُّباً لـ: (هذا) أو (ذاك)، ودعوا الأشخاص -(فلان) و(فلان)-. هذه خذوها قاعدة وانقلوها لهؤلاء المخالفين ليفهموا الحقيقة فقط ويعرفوا الحق ويخرجوا أنفسهم من زمرة المُتعصِّبـين بالباطل، وأنا لا أرضى لأحد أن يَتَعَصَّب لِي أبداً؛ إذا أخطأتُ فَلْيَقُل لي مَن وقفَ لي على خطأ: أخطأتَ»(٦٢). قال الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ َالإِحسَانِ}. وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ}. قَالَ عَمَّارٌ [ابن ياسر] -رضي الله عنه-: «ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَد جَمَعَ الإِيمَانَ: الإنصافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ»(٦٣). قال ابن حجر في «الفتح» (١/١٠٤):«لأنّ العبد إذا اتّصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقا واجبا عليه إلاّ أدّاه، ولم يترك شيئا مما نهاه عنه إلاّ اجتنبه، وهذا يجمع أركان الإيمان». و«(الإنصاف): العدل وإعطاء الحق لصاحبه. [تعليق مصطفى البغا]». قال الحافظ ابنُ عبد البرِّ -رحمه الله-: «من بركة العلـم وآدابه الإنصافُ فيه، ومن لم يُنصِف لم يفهم ولم يتفهّم»(٦٤). وقال الزّيلعيُّ -رحمه الله-: «ما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب»(٦٥). وبعد هذا: «فلو فرض أن أحداً يكره إظهار خطئه المخالف للحق فلا عبرة بكراهته لذلك؛ فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفاً لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة؛ بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له سواءٌ كان ذلك في موافقته أو مخالفته. وهذا من النصيحة...»(٦٦). «واعلم -وفقك الله- أنّهُ لا يُحِسُّ بضربةٍ مُبنّجٌ، وإنّما يعرف الزّيادة مِن النُّقصان المُحاسِبُ لنفسه»(٦٧). أو «لو فُرِض أنّا علمنا أنّ الناس لا يتركون المنكرَ، ولا يعترفون بأنّهُ مُنكرٌ؛ لم يكن ذلك مانعا من إبلاغ الرِّسالة وبيان العلم»(٦٨). وإلاّ لكُنّا مِن المتعاونين -في هذا الصدد- على تمرير هذه العبارات التي لم يَألَفها علم الجرح والتعديل كالمذكورتين مِن غير نكير؛ وإنّه لَضربٌ لِعِلمِ ومنهج الجرح والتعديل كَكُل نيابة عن أعدائه؛ بل إطاحة به وبأهله (باسمه!) ونكال بالسلفيين وإزراء عليهم! ولكن ممن؟ من بعض الشباب الثائر! هذا ما لا يُطاق والذي رفع السّماء، أأصبح الجرح والتعديل فاكهة الجهلة والمُتعصّبة ومَن حُرم الإنصاف والأدب، ونصيب مَن خُرِمَ مرّات عديدة في عدالته لأكثر مِن سبب؟! إِن لم يكن هذا العلم ومنهج السلف إِلا في وعند ومع هؤلاء العُصبة المُتعصِّبة؛ فعليه وعلى علمائه السَّلام، وعلى الدنيا العفاف! فـ: «الشّباب بحاجة إلى تهذيب» -كما قال العلامة صالح بن فوزان-(٦٩). و«أقول لهم: هذه العنصرية اتركوها عنكم، لأنّكم تضرّون دعوة التوحيد وتضرون أنفسكم؛ اتركوها عنكم. أئمّة دعوة التوحيد المتأخرين من فضل الله عليهم أنهم وافقوا المتقدمين، ومن فضل الله عليهم أنهم نصروا المتقدمين -من السلف والصحابة- في كتبهم وفي رسائلهم. فاتركوا عنكم اللّعب هذا (في مسائل خطيرة)، وعندما يصبر طلبة العلم عن بعض المسائل من باب المصلحة؛ لكن إذا رُئِيَ أن من المصلحة الرد عليكم بأسمائكم فسوف يُرد عليكم بأسمائكم، وتُنقض مسائلكم بأسمائها... فمثل هذه الرسائل التي أنا ألاحظها، وبعض الجلسات، وبعض الحاجات؛ يُركزون على أشخاص مُعيّنين مِن المتأخرين وكأنّ المُتقدّمين غير موجودين! ... فليترك هؤلاء مثل هذه الأمور وليدَعوها عنهم؛ فإنّ الصّبر بدأ ينفد»(٧٠). _____%%%%%%%%%_____ ... وأخيرا: فهذا تذكير! من صاحب هذه الأُكتوبة وكاتب تلك السطور: إِلى كلِّ أخٍ صاحب سنّة وإنصاف (طالب علم أو شيخ أو...)؛ قريب من الشيخ عبد الغني عوسات -وفقه الله-؛ سلام عليكم ورحمة الله... أما بعد: فمادامت «تُقبلُ كلمةُ الحقّ من كل قائل، كذلك يُقبلُ التذكير من كل مذكر، ولو كان المذكَّر مِن كُمَّل العباد والمُذكِّر مِن أوساطهم أو أدناهم(٧١)، وفي عباد الرحمن المذكورين في استماعهم إذا ذُكِّروا مِن أيِّ مُذكِّر القدوة الحسنة»(٧٢). وهذا ظنُّنا بالشيخ عبد الغني؛ أن يقبل الحق بصدر رحب، ونُعيذُه مِن أن: «تحمله حمية الجاهلية والعصبية الشيطانية على التمسك بالباطل أنفة منه عن الرجوع إلى قول من هو أصغر منه سنًّا، أو أقل منه علما أو أخفى منه شهرة؛ ظنا منه أن في ذلك عليه ما يحطّ منه وينقص ما هو فيه، وهذا الظن فاسد؛ فإن الحط والنقص إنما هو في التصميم على الباطل، والعلو والشرف في الرجوع إلى الحق، بِيَدِ من كان، وعلى أيّ وجه حصل»(٧٣). أو أن: «يحمله الهوى ومحبّة الغلب وطلب الظهور على التصميم على مقاله، وتصحيح خطئه، وتقويم معوجّه بالجدال والمراء. وهذه الذريعة الإبليسيّة والدسيسة الشيطانية قد وقع بها من وقع في مهاوٍ مِن التّعصُّبات، ومزالق من التعسفات عظيمة الخطر مخوفة العاقبة»(٧٤). ومن هذا حذّر الأئمة والعلماء؛ قال الشيخ ربيع: «إيّاكم والعناد، إيّاكم، احذروا -بارك الله فيكم-! واللهِ الرسولُ -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل مَشورةَ أصحابِه، ويقبل آراء عمر [رضي الله عنه] التي تأتي مُوافِقة للقرآن بكلّ سهولة -عليه الصلاة والسلام-. وكان عمر له مُستشارون... وإذا وقع في خطأ رجع بكلّ سهولة، وهذا سبيل المؤمنين الصادقين؛ فالمؤمن هيّنٌ ليّن؛ يعني: ما فيه كبر ولا غطرسة... يقبل الحق مِن البعيد والقريب والكبير والصّغير؛ فهذه هي الطريق الإسلامية الصحيحة... فلا يرجع ويذهب يُحرّف ويُبدّل ويتلاعب بعقول النّاس! هذه أدواء فتّاكة؛ احذروها -يا إخوة-. ربُّوا أنفُسَكم على التّواضع وعلى الصّدق وعلى حبّ الحقّ، وكلّ بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التّوابون، ومَن أخطأ مِنّا ثمّ نبّههُ أخوه أو عدوُّهُ؛ فعليه أن يرجع إلى الحق»(٧٥). «ولكن لا أدري لِمَ يحيد بعض المشائخ -هداهم الله- عن الحق، وهم يعرفون فينكرون على من قام بشيء من هذا الواجب [بالرد على الأخطاء]؛ فيجعلونه متجنياً ومعتدياً وظالماً»(٧٦)؟! قلتُ: هذا استنكار من العلامة النجمي على من هذه مرتبتهم (المشايخ)؛ فكيف بكم -يا من تقلدون بل تتعصبون- للمشايخ ولستم في مبلغ ربع معشارهم. وعليه؛ فأقول: أخي في الله! إنّ الشيخ عبد الغني -وفقه الله- قد أخطأ بإطلاقه عبارَتَيْ أو لفظَتَيْ: «لا أنصح به» و«لا أعرفه»! في أكثر من حُكم (تكرر) على أعيان السلفيين الدّعاة إلى الله على بصيرة في الجزائر -كما بُيِّنَ سلفاً(٧٧)-، إن كُنتَ قريبا منه أو تربطك به علاقة محبة أو علم، أو ترافقه في أسفاره أو بعضها... أن تُنبِّهَهُ وتنصح له قصد مراجعة نفسه، والرجوع عن اللفظَتَينإلى مصطلحات أهل الحديث المقررة في كتب الجرح والتعديل من زمن السلف، والمستقرّة حتّى اللحظة؛«والمقصود أن الواجب فيما علّق عليه الشارعُ الأحكام من الألفاظ والمعاني أن لا يُتجاوز بألفاظها ومعانيها، ولا يُقصر بها، ويُعطي اللفظ حقّه والمعنى حقّهُ»(٧٨)،«وأما الألفاظ المجملة؛ فالكلام فيها بالنفي والإثبات دون الاستفصال؛ يوقع في الجهل والضلال والفتن والخبال والقيل والقال»(٧٩)؛وطبعا هذا بعد قراءتك -بإنصاف- للمقال السابق: «التّذكرة بغلط عبارتَيْ: «لا أنصح به» و«لا أعرفه»! في أقوال الشيخ عبد الغني عوسات المتكررّة». ولك -أخي الناصح؛ المُبلّغ- القدوة فيما ساقهُ أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي بسنده في كتابه «الضعفاء» (٢/٣٥١): قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا يحي بن أيوب، قال: حدثنا عباد بن عباد، قال: «أراد شعبة أن يضع في خالد الحذاء، قال: فأتيتُ أنا وحماد بن زيد فقلنا له: مالك، أجننت؟ أنت أعلم، وتهددناه، فأمسك»(٨٠). وكذلك، أخذا بنصيحة العلاّمة ربيع بن هادي -وقد سبق نقلي لها- حيث قال: «نصيحتي لكم أن تدرسوا، إذا تُكُلِّم في شخص، أن تدرسوا عنه، وتأخذوا أقوال النَّاقدين وتفهمونها، وتتأكَّدون من ثُبوتها؛ فإذا تبيَّن لكم ذلك فليحكم الإنسان مِن مُنطلق الوَعي والقناعة لا تقليداً لـ: (هذا) أو (ذاك) ولا تعصُّباً لـ: (هذا) أو (ذاك)، ودعوا الأشخاص -(فلان) و(فلان)-. هذه خذوها قاعدة وانقلوها لهؤلاء المخالفين ليفهموا الحقيقة فقط ويعرفوا الحق ويخرجوا أنفسهم من زمرة المُتعصِّبـين بالباطل، وأنا لا أرضى لأحد أن يَتَعَصَّب لِي أبداً؛ إذا أخطأتُ فَلْيَقُل لي مَن وقفَ لي على خطأ: أخـطـأتَ»(٨١). أو تُعطيه إيّاه مشفوعا بهذا الأخير: «التّبصرة ببعض ما غاب عن البعض في مقال«التذكرة»»؛ فيقرأ بنفسه وينظر بعينه -وفقه الله تعالى-، وأكونُ لك مِن الشاكرين، الداعين لك بالسداد والتوفيق والهدى والرَّشاد، وليس لي إلاّ أن أقول لك: جزاك الله خيرا. ولتعلم أخي أنّي ما لجأتُ لهذه الطريقة في تنبيه الشيخ -وفقه الله- إلاّ بعد أن لم يتسنّ لي سواها، والله المستعان. فإن قال هؤلاء الشباب المتعصّب والمتعسّف بجهالاتهم-وسيقولون إلاّ أن يشاء الله فيصمُتوا دهرا-: إن كُنـت قـلتَ بخطـإ الشيخ؛ فهذه طريقـة لا تليق بمقامـه لتنبيـهه أو نصحه. فأقول: إنّ عدم الحرص على النصيحة للناس بتأخيرها -وقد تأخّرت!- عند الحاجة وعدم بذلها للشيخ لا يليق؛ بل قــد: «تؤدي إلى بث الفُرقة بين السلفيين، وبث الفرقة بين أهل البلد (هنا)... وبث الفرقة بين [المشايخ] وبين أهل التوحيد... وكذا. [أَجَعَلتم] أنفسكم -يعني: ما أود أتكلّم زِيادة!-... واضح؟ وكأنّكم أوصياء! ما أحد يعرف الدين إلاّ أنتم؟! واللّي ما هو من جهتكم؛ ففيه شيء؟!! اضربوا رؤوسكم بِعرض الجدار. عندكم دليل (حجة وبرهان) من الكتاب والسنة؟ واللهِ لو يأتينا رجل من إفريقيا -أقصى إفريقيا-، ومن القطب الشمالي، من القطب الجنوبي، ولو يأتينا طفل صغير... وعنده دليل؛ قبّلنا رأسه وأخذنا بدليله وقلنا: جزاك الله خيرا. أي شخص يظن أن منطقته تُعطيه زيادة في الحجم؛ تحت القَدَم»(٨٢). «وأنا من فضل ربي لم أعمل باطلاً ولم أنصر أهل الباطل... ولكني عملت حقاً ونصرت حقاً؛ أرجوا به الثواب عند الله ولسان صدقٍ في الآخرين»(٨٣). إن كان حقا فحقٌّ ووجب القبول أو -على الأقل- لزم السكوت والصّمت، وإن كان باطلا؛ فإنّهُ لا يُرد الباطلُ بباطلٍ أبطل منه أو يماثله؟! «وليس مما أمر الله به ورسوله ولا مما يرتضيه عاقل أن تقابل الحجج القوية بالمعاندة والجحد؛ بل قول الصدق والتزام العدل لازم عند جميع العقلاء، وأهل الإسلام والملل أحق بذلك من غيرهم»(٨٤)؛ «وليس لأحدٍ أن يرُدَّ بدعةً ببدعةٍ، ولا يُقابِل باطلاً بباطِلٍ»(٨٥)؛ «فَإِذَارَدَّ الإنسَانُ بَاطلاً بِبَاطِلٍ، وَقَابَلَ بِدعَةً بِبِدعَةٍ كَانَهَذَا مِمَّا ذَمَّهُ السَّلف وَالأئمَّة»(٨٦). وإنّي أرجو -في الختام- أن لا أرَ صاحبي (ذلكم المُنفَجِر!) ينطلقُ إلاّ وعليه حجاب صفيق، ولا أحبُّ أن أسمعه ينطقُ إلاّ مِن وراء جُدُر -وما ذاك إلاّ أن غرّهُ السَّراب فتقطّعت به الأسباب-! وأن يُشفق على نفسه أو -على الأقل- على إخوانه مِن انفجار آخر قد يودي بحياتهم كونه أكبرهم وأعقلهم، وإن كان لا مناص مِن ارتكاب جريمة أُخرى ولابُد؛ فالنصيحة الناطقة من غير لسان تقول: احفر قبرك اللحظةَ في موقفك الذي تقِف، وخُذ بِمذهب الشاعر الحكيم (في نُصحِه!)قولَهُ: إن كنت لا ترضى بما قد ترى ** فدونك الحبـل به فاختـنق وأما بخصوص إخوانك فـ: دعهم يعضـوا على صم الحصى كمدا ** من مات من قـولـتـي عندي له كفن وليُبِن لنا هؤلاء -إن كانوا صادقين- على طريقتهم المُثلى في النصيحة؛ ثم فلينصحه مَن يُحسِنُ غير هذه الطريقة ببيان خطئه. ... هذه هي الحقيقة -بإذن الله- وهو الحق -إن شاء الله-؛ إلاّ أن يأتي آتٍ فيُقيم الحجة بخلاف هذا، أمّا إن لم يكن مِن ذلك إلاّ هذا يكونُ مِن جهة أُخرى وإلاّ فلا يُقبَل؛ فهذا هو التّقليد الأعور أبو التّعصّب الأعمى. اللهم سَلِّم سَلِّم! {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُم وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ...}، وصلوات ربّي على نبيّنا مُحمّد، سيد ولد آدم، وآله وأصحابه وإخوانه إلى يوم القيامة. وكتب عبدُ ربّه الغني: عبــد الغــني الجــزائــري -عامله الله بلطفه الخفي- يوم السبت ٧ شوّال ١٤٣٣هـ ٢٥ أغسطس ٢٠١٢م __________الحاشــيـة____________ (١) إسناده صحيح على شرط مسلم. سليمان: هو ابنُ طَرْخان التّيمي. قال السّندي: قوله «أن يقول في حق»؛ أي: يتكلّم فيه، ولا يسكُت عنهُ. قوله«وددتُ أنّي لم أسمعهُ»؛ أي: هذا الحديث لصعوبة العمل به على وجهه. قلتُ: وقد جاء الحديث بنحوه في أكثر من عشر مواضع من «المسند» بألفاظ مُتقاربة. أما من طريق عبد الصّمد (برقم ١١٤٢٨)؛ قوله -صلى الله عليه وسلّم-: «لا يمنعنّ أحدًا منكم مخافة الناسِ أو بَشَرٍ أن يتكلّم بالحق إذا رآه أو علِمه، أو رآه أو سمِعه». كما أخرجه أبو يعلى (برقم ١٢١٢) من نفس الطريق، به. وأخرجه الطيالسي (رقم ٢١٥٨)، وأبو نعيم في «الحلية» (٣/٩٨-٩٩). (٢) «العواصم والقواصم» لابن الوزير (١/٢٤). (٣) «مختصر منهاج القاصدين» لأحمد بن عبد الرحمن ابن قدامة المقدسي (ص ٢٣٣). (٤)«سير أعلام النبلاء» للذهبي (١١/٣٤). (٥) «تركإنكار المنكر إرضاءً للناس» للعلاّمة حمد بن عتيق -رحمه الله-، نشرها في «منتديات التصفية والتربية» الأخ الودود، الطيّب، المُهذّب، المتواضع للحق والرّجاع إليه -أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله- أبو مُعاذ. (٦) «الدعوة إلى الإصلاح» للشيخ محمد الخضر حسين (ص ١٠٤). (٧) فيهم مَن نسب هذه للشيخ محمد الخضر حسين في الكتاب المذكور(ص ١٢٠)، ولكن لم أجدها فيه! ووجدتُ ما يُشبهها ويؤدي نفس معناها في غير الموضع المُحال عليه، وما قاله الشيخ أحمد بن عمر بازمول بعدها يعضدها ويُبررها، والحمدُ لله. (٨) «شرح أثر ابن سيرين: إن هذا العلم دين...» للشيخ أحمد بازمول (ص ١٩٠) -حاشية-. (٩) فرّغتُه مِن شريط «الألباني إمام» للعلاّمة ربيع بن هادي. (١٠) قاله العلاّمةُ عبدُ الرحمنِ بن ناصر السعدي في «المناظرات الفقهية». (١١) وقد قلتُ في ختام المقال:«إن هذا المقال في حاجة لزيادة بيان وتعليق وتنسيق في مُجمله، وإنّما هو تذكرة لِمَن وُفِّق للفهم بالإشارة؛ تُنبِّه الغافلَ، ولا تُغني ذا الهِمّة المستزيد». (١٢) مِن خاتمة «مدارج السالكين» لابن القيّم؛ انظر خاتمة «مختصره» (ص ٦٧٩). (١٣) «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (١/٣٠٧). (١٤) «شرح أثر ابن سيرين» (ص ٢٥٦). (١٥) أخرجه مسلم في«صحيحه» من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. (١٦) قلتُ: كثيرٌ ممّن أنكر عليّ وغضب عنّي بسبب المقال؛ أكاد أقطع بعدم قراءته إيّاه وإنّما استفزّه العنوان فجرّه لِنصرة الشيخ ليس إلاّ، وإن كان قد قرأ فبدون إنصاف، وإلاّ فأين الرّد العلمي المنهجي ونقض ما فيه من باطل في نظرهم؟! فالمدة زادت عن الشهر ولا شيء يُذكر! (١٧) «مجموع الفتاوى» (٢٨/١٦-١٧). (١٨) وهنا نسأل: هل الشيخ عبد الغني له من الحصانة ما ليس للعلاّمة الألباني ومن في مقامه حتّى لا يُنتقد؟ أو إن كان ولابد مِن نقده أن يُضاف مَن نقدَهُ إلى قائمة الطاعنين فيه؟! ننتظر جوابا ممّن روّج علينا ذلك الهُراء المُتهرِّئ... (١٩) قلتُ: يريد الشيخ ما جاء في الرسالة المذكورة (ص ١٢) قوله: «وسواء كان الذي بيّن الخطأ صغيرا أو كبيراً؛ فله أسوة بِمَن ردّ من العلماء على مقالات ابن عباس التي يشذ بها، وأُنكرت عليه من العلماء مثل المُتعة والصرف والعمرتين، وغير ذلك. ومَن ردّ على سعيد بن المسيّب قوله في إباحته المطلّقة ثلاثا بمجرّد العقد، وغير ذلك مما يخالف السنة الصريحة، وعلى الحسن في قوله في ترك الإحداد على المتوفى عنها زوجُها، وعلى عطاء في إباحته إعادةَ الفروج، وعلى طاووس قولَهُ في إباحته في مسائل متعدّدة شذّ بها عن العلماء. وعلى غير هؤلاء ممن أجمعَ المسلمون على هدايتهم ودرايتهم ومحبّتهم والثناء عليهم». (٢٠) وهذا مصداق ما قاله ابن رجب (ص ١٢) -أيضا-: «ولم يعدّ أحدٌ منهم مخالفيه في هذه المسائل ونحوها طعنا في هؤلاء الأئمّة ولا عيبا فيهم». فبماذا يتسلّى المفلِسون؟! (٢١) «أجوبة الشيخ ربيع السلفية على أسئلة أبي رواحة المنهجية» (رقم ٣). (٢٢) كما يصنع الصنفُ المُقلّد للمشايخ (هنا)، وربّما المُتعصّب لهم -أحيانا-. (٢٣) إلى غاية هُنا فهو صنيع الصنف المُتعصّب. (٢٤) كذا يفعل الصنف المُسقِط بمُجرّد الخطأ والخطأين وإن لم يكن هذا يقدح في منهج أو عقيدة! (٢٥) هذا منهج أهل الاتّباع (المُتَّبِعون بالدّليل، أو للدليل)؛ نسأل الله أن نكون على طريقتهم: أولئـك آبائي فجـئني بهم ** إذا جمعـتنا يا جرير المجـامعُ (٢٦) «منهاج السنة النبوية» لابن تيمية (٤/٥٤٣-٥٤٤). (٢٧)قالهُ الشيخ الإبراهيمي في «تصدير نشرة الجمعيّة...». (٢٨) «مجموع الفتاوى» (٢٩/٤٢). (٢٩) «مجموع الفتاوى» (٢٠/٢١٧). (٣٠) من تعليقه على «حادي الأرواح» (شريط ٢). (٣١) «براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة» للشيخ بكر. (٣٢) من مقال «المعالم في حد التعالم» للشيخ يوسف لعويسي. (٣٣) من مقال «خطر التعالم وضرره» للشيخ عبد الغني عوسات. (٣٤) «فقه الائتلاف» (ص ١٠٧) -نقلا عن واسطة-. (٣٥) من«رد الجواب» للعلامة أحمد النجمي. (٣٦) لو صنعتُ هذا لَقِيل من بعضهم: مُتشدّقٌ، مُعجبٌ بنفسه وما يصنع!! وصدق الشاعر بقوله ناصحا: احفظ لسانك لا تبُح بثلاثة ** سنٍّ ومالٍ ما استطعتَ ومذهب فعلى الثلاثة تـُبتَلى بثلاثة ** بِمُـمَوِّه ومُمَـخرقٍ ومُكذِّب (٣٧) «وصايا وتوجيهات لطلاب العلم».
(٣٨) «جوامع الآداب» (رقم ١١٠). (٣٩) (٤٣) (٤٤) (٤٥) قال هذا كلّه أحدُ المشايخ الأفاضِل، بارك الله فيه وسلّمه ووفقه لكل خير. (٤٠) من أقوال أبي زكريا يحي بن معاذ الرّازي؛ «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (٦/١٦٧). (٤١) «صيد الخاطر» لابن الجوزي (ص ١٥). (٤٢) كالعلامة مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله-، وهو صاحب تخصص في (الجرح والتعديل) فاكتفيتُ به رأسا؛ لأن جلّ من دونه عالةٌ عليه في الباب وقوله عليهم مُقدّم؛ فكانت به الغُنية خاصّة وقد تأكّدَ بأن تكرر بـ: (٣ فتاوى) في كتاب واحد. (٤٦) «قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر» (ص ١٥٩). (٤٧) «إيثار الحق على الخلق» (ص ٢٧). (٤٨) «المناظرات الفقهية» للسعدي (ص ٩). (٤٩) كهذه القضية أو المسألة التي نحن في صددها. (٥٠) من مقال «العدل.. حقيقته وأهميته» للشيخ عبد الغني عوسات؛ في «مجلة الإصلاح» (العدد ١٨/ص ٣٧). (٥١) قاله الشيخ أسامة العتيبي؛ في مادة صوتية. (٥٢) «جوامع الآداب» (رقم ٢٦). (٥٣) مُتفقٌ عليه؛ من حديث عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-. (٥٤) «مجموع الفتاوى» (١١/٤٩٠). (٥٥) «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» لللالكائي (رقم ١١٦). (٥٦) المصدر السابق (رقم ١٢٠). (٥٧) المصدر السابق (رقم ٤٧). (٥٨) «أحكام الجهاد وفضائله» (ص ٩٥). (٥٩) «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (رقم ١٣٠). (٦٠) كلام العلامة محمد الأمين الشنقيطي في«أضواء البيان» (٧/٥٣٣، ٥٣٧-٥٣٨). (٦١) من شريط «ضوابط التعامل مع أهل السنة وأهل الباطل» للشيخ عبيد الجابري. (٦٢) من شريط «خطورة الكذب وأثاره السّيئة وموقف الإسلام منه» للشيخ ربيع بن هادي. (٦٣) من ترجمة باب: (إفشاء السلام من الإسلام - كتاب الإيمان)؛ من «صحيح البخاري». (٦٤) «جامع بيان العلم وفضله» (ص ٢٠٨). (٦٥) «نصب الراية»(١/٣٥٥). (٦٦) «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص ١٠-١١). (٦٧) «صيد الخاطر» (ص ٩). (٦٨) «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (١/١٧١). (٦٩) نقلها عنه عبد العزيز السدحان في «الأربعائية في الرحلة الفوزانية». (٧٠) قاله الشيخ عايد بن خليف الشمري -حفظه الله-؛ فرّغته من «شرح كتاب الشريعة -للإمام الآجري-». (٧١) «ولا عذر لأحد في الصمت عن التذكير جملة» -كما قال الشيخ محمد الخضر في «الدعوة إلى الإصلاح» (ص ١٠٦)-. (٧٢) «تفسير ابن باديس» (٢/١٦٣). (٧٣) «أدب الطلب» للشوكاني (ص ١٤٢). (٧٤) «أدب الطلب» (ص ١١٠-١١١). (٧٥) مادة صوتية فرّغتُها. (٧٦) قال هذا العلامة النجمي في «رد الجواب». (٧٧) لم أُرِد بالمقال الدفاع عن الشيخ لعويسي بِقَدر ما أردتُ الدفاع في الأساس عن المصطلحات الصحيحة لعلم الجرح والتعديل، بتحرير وضبط معانيها وألفاظها على حد سواء، ونفي الخلل المُخل فيها -وهو ليس منها-، وذلك لما بين يديّ مّن مادة صوتية مثبتة بخصوص اللفظتين، ولو كان المُنتَقدُ فيها غير الشيخ لعويسي لَكان الفِعلُ هو الفِعل. (٧٨) «إعلام الموقعين»لابن القيم (٢/٣٩٧). (٧٩) «منهاج السنة النبوية» (٢/٢١٧). (٨٠) وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (٨/١٧٧-١٨٢). (٨١) سبق؛ حاشية (٦٢). (٨٢) قاله الشيخ عايد الشمري؛ «شرح كتاب الشريعة». (٨٣) من«رد الجواب» للعلامة النجمي. (٨٤) «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (٩/٢٠٧). (٨٥) «منهاج السنّة النبوية» (٣/٧٧). (٨٦) «درء التعارض» (٧/١٨٢).
الموضوع الأصلي :
التبصرة ببعض ما غاب عن البعض في مقال «التذكرة»
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
عبد الغني بن عيسى الجزائري
|
#2
|
|||
|
|||
يُرفع لبعض إخواني
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.