|
كاتب الموضوع | أبو عبيدة طارق الجزائري | مشاركات | 3 | المشاهدات | 4679 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
علو الهمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من تبع هداه أما بعد فلا شك أن طلب العلم و فعل الخير و غيرها من الأعمال المحمودة تحتاج من المسلم جهدا و مواضبة مع علو همة و اغتنام الأوقات فالإنسان بطبعه يتعب و يمل و قد ييأس أحيانا بل يقنط من تحصيل الخير أو نيل المراد و سنة الله عز و جل في المطالب العالية و الدرجات الرفيعة أن يكون في نيلها مشقة ليتم الابتلاء و يستحق البالغ إلى تلك الدرجة شرفَها و ثوابَها و من هنا يتضح لنا أهمية علو الهمة حيث تكون من الأسباب المعينة للمسلم و من علامات توفيق الله تعالى لعبده أن يرزقه همة عالية . و سوف أتكلم في هذا الموضوع عن علو الهمة في أمور كثيرة لا أخص بذلك علوها في طلب العلم أو غيره بل سأجعله موضوعا عاما يإذن الله و كلنا بحاجة لعلو الهمة . و أما علو الهمة فمعنى العلو لغةً: (العلوّ مصدر من علا الشيءُ عُلُوًّا فهو عَليٌّ وعَلِيَ وتَعَلَّى، ويقال: عَلا فلانٌ الجبل إذا رَقِيَه وعَلا فلان فلانًا إذا قَهَره، والعَليُّ الرَّفيعُ، وتَعالَى تَـرَفَّع، وأصل هذه المادة يدلُّ على السموِّ والارتفاع) ((مقاييس اللغة لابن فارس 4/112)) ((لسان العرب لابن منظور15/83)) . معنى الهمَّة لغة: الهِمَّةُ: (ما هَمَّ به من أمر ليفعله، تقول: إنه لعظيمُ الهَمِّ، وإِنه لَصغيرُ الهِمَّة، وإِنه لَبَعيدُ الهِمَّةِ والهَمَّةِ بالفتح )((لسان العرب لابن منظور 14/83)) . وقال ابن القيم في تعريف الهمة: (والهمة فعلة من الهمِّ، وهو مبدأ الإرادة، ولكن خصوها بنهاية الإرادة، فالهمُّ مبدؤها، والهمَّة نهايتها) ((مدارج السالكين3/5)) . معنى علو الهمَّة اصطلاحًا: الهمة في الاصطلاح هي: (توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق؛ لحصول الكمال له أو لغيره) ((التعريفات للجرجاني ص257)) . و قال ابن القيم رحمه الله: (علو الهمة ألا تقف -أي النفس- دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم ، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات) ((مدارج السالكين 3/171)) . وقال الراغب الأصفهاني: (والكبير الهمة على الإطلاق: هو من لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر وسعه، فلا يصير عبد رعاية بطنه، وفرجه، بل يجتهد أن يتخصص بمكارم الشريعة) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة ص291)) . وأما علو الهمة فهو (استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، وطلب المراتب السامية) ((تهذيب الأخلاق ص28)) . وقال المناوي: (عظم الهمة عدم المبالاة بسعادة الدنيا وشقاوتها) ((التوقيف ص517)) . قال العلامة السعدي:(وعامة نصوص الترغيب والترهيب في الوحيين الشريفين؛ إنما ترمي إلى توليد قوة دافعة تحرك قلب المؤمن، وتوجهه إلى إقامة الطاعات، وتجنب المعاصي والمخالفات، وإلى بعث الهمة وتحريكها واستحثاثها للتنافس في الخيرات، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر) . و قد حث الشارع على علو الهمة و دلت الآيات و الأحاديث على أنها خلق رفيع و أنها مطلوبة و محمودة و من الآيات أذكر على سبيل المثال : قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة : 148] . و قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] قال ابن كثير-رحمه الله-: (ندب الله عباده إلى المبادرة إلى فعْل الخيرات، والمسارعة إلى نَيْل القُرُبات) ((تفسير ابن كثير )) و قال الله تعالى:{ختَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }[المنافقون: 26] و ذكرها هنا في سياق يدل على أن التنافس في نيل هذه الأمور في الجنة خلق محمود . و لكم في قصة موسى عليه السلام قدوة في علو الهمة فهم أنبياء الله و رسله الذين اصطفاهم عليهم افضل الصلاة و السلام . و أما من السنة المطهرة فعن ابن عباس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) ((صحيح البخاري 6)) . و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان) ((صحيح مسلم 2664 )) قال النووي في شرحه على مسلم: (والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة ، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدو في الجهاد ، وأسرع خروجا إليه ، وذهابا في طلبه ، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على الأذى في كل ذلك ، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى ، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات ، وأنشط طلبا لها ، ومحافظة عليها ، ونحو ذلك ...إلى أن قال رحمه الله: ومعناه احرص على طاعة الله تعالى ، والرغبة فيما عنده ، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ، ولا تعجز ، ولا تكسل عن طلب الطاعة ، ولا عن طلب الإعانة ) ((صحيح مسلم بشرح النووي 163)) . و عن حكيم بن حزام قال النبي صلى الله عليه و سلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله) ((صحيح البخاري1427)) . قال ابن بطال: (فيه ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على معالي الأمور، وترك دنيئها، والله يحب معالي الأمور) (( شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/431)) أما أقوال السلف رضي الله عنهم فهي كثيرة يصعب حصرها في موضوع متواضع كهذا و منه منافسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لصديق الأمة رضي الله عنه و أذكر منها على سبيل المثال كذلك: فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: (أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ا) (( صحيح مسلم 1006)) . قال الحسن : (رحمه الله : من نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره). وقال وهيب بن الورد :(إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل). وقال مالك: (عليك بمعالي الأمور وكرائمها، واتقِ رذائلها وما سفَّ منها؛ فإنَّ الله تعالى يحبُّ معالي الأمور، ويكره سفسافها) وقال ابن القيم: (فمن علت همته، وخشعت نفسه، اتصف بكلِّ خلق جميل. ومن دنت همته، وطغت نفسه، اتصف بكلِّ خلق رذيل) و قال ابن الجوزي:( واعلم أنَّك في ميدان سباق، والأوقات تنتهب ، ولا تخلد إلى كسل ، فما فات ما فات إلا بالكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم، وإنَّ الهمَّة لتغلي في القلوب غليان ما في القدور) . هذا مايسره الله لي و الله تبارك و تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين . جمعه أخوكم أبو عبيدة طارق بن سعد الجزائري .
|
#2
|
||||
|
||||
بارك الله فيك أخي أبا عبيدة على مواضيعك المميزة
ولأهمية هذا الموضوع هناك من ألَّف في علو الهمة عند السلف , وأما طالب العلم هو أولى الناس بهذه الصفة العالية مع الحفاظ على وقته , و لهذا يقول ابن الجوزي رحمه الله: (ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه و قدْر وقته فلا يضيع منه لحظة من غير قربة) , وهذا الحسن البصري يقول: (وقذتْني كلمةٌ سمعتها من الحجاج يقول : على هذه الأعواد: إن امرءاً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليه حسرته إلى يوم القيامة) انتهى من البداية و النهاية قال الوزير الصالح يحيى بن مغيرة: الوقت أنفس ما عنيت بحفظه * * * و أراه أسهلَ ما عليك يضيعُ و قال الشاعر الفقيه عمارة اليمني : إذا كان رأس المال عمرك فاحترز * * * عليه من الإنفاق في غير واجب فاحرص على أن لا يضيع وقتك, و أيننا من صاحب كتاب الفنون ابن عقيل الحنبلي رحمه الله تعالى كما في ذيل طبقات الحنابلة يوم أن قال – و اسمع ماذا قال و اصبر على سماع مثل هذه الكلمات – قال: (إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة و بصري عن مطالعة أعملتُ فكْري في حال راحتي و أنا مستطرح – يعني مضطجع – فلا أقوم إلا و قد خطرَ لي كلُّ ما أريد أن أسطره). الله أكبر، إن كان يكتب فهو يكتب و إن كان مضطجعا فهو يفكِّر في العلم و يقوم و يكتب ما كان يفكر فيه ما عنده ضياع للوقت أبدا, لماذا؟؟ قال: (لأنه لا يحل لي أن أضيِّع ساعة من عمري) أرأيتم أيها الإخوة ؟؟ أرأيتم كيف كان أولئك الرجال ؟؟ لا تعرضنَّ بذكْرنا مع ذكرهم * * * ليس الصحيح إذا سعى كالمُقعد فما الفرق بيننا و بين أولئك؟! إي والله فأولئك رجال عظم قدرهم، ابن عقيل هذا من حرصه على الوقت يقول (و إني لأقدم سفَّ الكعك على الخبز لما بينهما من الفرق في المضغ) يا الله، انظروا إلى هذا الفقه العجيب و الحرص العجيب و في تذكرة الحفاظ قال ابن المديني: قيل للشعبي : من أين لك هذا العلم كله؟ قال: 1 - بنفي الاعتماد – ما يعتمد على تسجيل فلان وفلان بالله اكتب لي و الثالث إذا حضرت الدرس قل لي إيش قال الشيخ, لا , بنفي الاعتماد - أي على غير الله –, 2 - و السير في البلاد - أي بالرحلة - 3 - و صبر كصبر الجماد – أي بالاجتهاد فيه – 4 - و بكور كبكور الغراب ) – يعني بالمبادرة إلى حلقات العلم - انظروا إلى هذا الكلام الجميل (بنفي الاعتماد و السير في البلاد و صبر كصبر الجماد و بكور كبكور الغراب). المزيد على الرابط التالي : http://www.salafi-poetry.net/vb/showthread.php?t=368 |
#3
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا يا شاعر أهل السنة ... كلام جميل جدا و أنا على يقين أن هذا من تواضعك فلا أرى نفسي أهلا أن أكون حتى تلميذا لأمثالك و لا أقول هذا تواضعا . لكن أخبركم أني سأغيب لمدة عن المشاركة بإذن الله تعالى و لعل لنا عودة بحول الله تبارك و تعالى فلا تنسونا بدعائكم . |
#4
|
||||
|
||||
بل من تواضعك جزاك الله خيرا
ولكن عفا الله عنك وحفظك في حلك وترحالك ونحن على ترقُّب لمشاركاتك متى ما سنحت لك الفرصة |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.