|
كاتب الموضوع | عبد الغني بن عيسى الجزائري | مشاركات | 4 | المشاهدات | 5094 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
مَواقفٌ للسّلف وأتباعهم ممّن خالف الحقّ أو ابتدع... فهل هم غُلاةٌ -أيّها الدُّعاة-؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم مَواقفٌ للسّلف وأتباعهم ممّن خالف الحقّ أو ابتدع فهل هم غُلاةٌ -أيّها الدُّعاة-؟!! أَخِي الكَرِيم... «...إِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ خِطَابٌ بِلِسَانٍ، أَوْ هَجَمْتَ عَلَى كَلاَمٍ فِي كِتَابٍ؛ فَإِيَّاكَأَنْ تُقَابِلَهُ مُقَابَلَةَ المُغَاضَبَةِ البَاعِثَةِ عَلَى المُغَالَبَةِ قَبْلَ أَنْ تَتَيَقَّنَ بُطْلاَنَهُ بِبُرْهَانٍ، وَأَيْضاًفَلاَ تُقْبِلْ عَلَيْهِ إِقْبَالَ المُصَدِّق بِهِ، المُسْتَحْسِنِ إِيَّاهُ قَبْلَ عِلْمِكَ بِصِحَّتِهِ بِبُرْهَانٍ قَاطِعٍ؛ فَتَظْلِمفِي كِلاَ الوَجْهَيْنِ نَفْسَكَ، وَتَبْعُدَ عَنْ إِدْرَاكِ الحَقِيقَةِ...»قالَهُ ابنُ حَزْمٍ الظّاهِرِيُّ«مداواة النفوس». **_____***_____** الحمدُ للهِ ذي الجلال والإكرام، المُنزّه عمّن سواه -الذي لم يلد، ولا والد له، ولا ندّ، ولا شبيه به- المتفرّد بصفات الكمال، له الأسماء الحُسنى... والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نبيِّنا محمّدِ بنِ عبد اللهِ، وعلى آلهِ وأصحابِهِ الطيّبينَ الطَّاهِرِين، وَمِنْ بَعْدِهِم إِخْوَانِهِ المُغتَرِبِين بإتّبَاعِ سُنّتهِ في كلِّ صُقعٍ وَحِين. أمّا بعدُ: فَفِي هذا العصر وبالذّات العقود المتأخّرة؛ وخاصّة منها العُشريّة الأخيرة «والمسلمون -ولله الحمد- يعايشون يقظة علمية تتهلل لها سُبُحَات الوجوه، ولا تزال تنشط متقدمة إلى الترقي والنضوج في أفئدة شباب الأمة، مدها ودمها المجدد لحياتها، إذ نرى الكتائب الشبابية تترى يتقلبون في أعطاف العلم مثقلين بحمله يعلون منه وينهلون، فلديهم من الطموح، والجامعية، والاطلاع المدهش والغوص على مكنونات المسائل، ما يَفرحُ به المسلمون نصراً، فسبحان من يحيى ويميت قلوباً. لكن، لابد لهذه النواة المباركة من السقي والتعهد في مساراتها كافة، نشراً للضمانات التي تكف عنها العثار والتعصب في مثاني الطلب والعمل من تموجات فكرية، وعقدية، وسلوكية، وطائفية، وحزبية... وقد جعلت طوع [إخواني هذه الأُكتُوبةَ التي حَوَتْ أسطُراً يسيرة] تكشف المندسين بينهم [من المنفلتين!] خشية أن يُرْدُوهُم، ويضيعوا عليهم أمرَهم، ويبعثروا مسيرتهم في الطلب [أو على الأقل في ثقتهم بمنهجهم -وهو الأصل-]، فيستلُّوهم [من بين إخوانهم؛ بعد أن كانوا معهم وراء علمائهم المعروفين بالسنّة والوسطيّة] وهم لا يشعرون(!)»(١). وللأسف! نَجِدُ بعض الدُّعاة -وطبعاً من تَبِعهم من الشباب-، وحملة الأقلام المنتسبين لمنهج السلف، لم يقفوا الموقفَ الواجب المُشرّف؛ بل-وكأنّهم!- ساروا يمشون يُرَوِّجون -وإن لم يقصُدوا- منهج أهل الباطل، ثم صاروا يتلمّسون ليلمسوا مسوّغاتٍ قد يُسندوا إليها ظُهُورَهُم بعدَ ظُهُورِهِم؛ حتّى وإن كان على حساب الدين والمنهج الذي إليه ينتسبون؛ ولو بقولٍ شاذٍّ، أو كلامٍ لعالِمٍ مرجوحٍ، أو بعبارة منسوخة مِراراً -بل والناسخ لها نُسِخَ بدورهِ تكراراً-!!... المهم؛ أن يقيموا لما عندهم عِبرة... وأنّى لهم هذا؟! ومن هذا الطراز -هداهم الله- أصحابُ (المنهج الأفيح) الذين انتصروا له، ونافحوا عنه وبه، في وقتٍ بيّنَ فيه علماءُ السنّة الأقحاح حال هذا المسلك المُعوَّقُ، والمُعْوَج، الأعرج... حيثُ يُلحَظُ ممّا يُكتبُ من القوم كأنّ نار (منهج الموازنات -وهو أصلُ البليّة هاته- والتميّع ثمّ تمييع المواقف مع المخالف! الناتج عنه) تضطرِمُ متزايدة شعلتُها في الأُفُق، فيما يخبو نور -منهج المحدِّثين بحق-: (الجرحُ والتعديل) بالإنصاف والعدل؛ حتى ظهر أثرهُ عليهم في واقعهم حقا، فاكتَفَوا بـ: (الموازنة) في أحسن أحوالهم، وبـ: (التعديل) دائما -وهو أصلُ حالهم-!! فكانت العَباءة مُفصّلة جدُّ فضفاضة؛ عرضها يُقارب طولها، وعن طولها فلا تَسَلْ! وهذا مستفيض عنهم -أو قُلْ: بلغ حدّ التّواتر!-؛ منشورٌ في رسائل بعضهم، ممتلئةٌ به مواقعهم ومنتديات أتباعهم، طافحةٌ به دروسهم ومحاضراتهم المسجّلة... لم نتهجَّمُ عليهم بالشّائعات، ولا نحن بمحض التَّخرُّصات والتّخمينات نرميهم؛ وإنّما هو ثابتٌ عنهم، وهم ثابتون عليه! وعليه: فرأيتُ -لِمَا بين يديّ من معطيات- أن أجمع ما تناثر، وألُمَّ شعثَ أطراف ما تشتّت وتبعثر؛ بحيث يحصلُ لنا الموضوع مُزداناً بِنُقُولاته، مع لفتِ الانتباه بالتعليق والإشارة على بعض ما يُنتَقَدُ بِحَسَبِ المَوْضِعِ والحاجة؛ لإثارة حُبِّ البحثِ كوسيلةٍ للتَّنْقيبِ عن الحقّ بالدّليل؛ بل للظّفَر به ولا يُقبَلُ عنه بديل. كل هذا نُصرة لمنهج أسلافنا الأبرار الذين نصروا منهج المحدّثين-توحيدا وإخلاصا، وإتباعا وبالآثار اقتفاء، وما كان لصيانة الملّة من العلوم-، ونشروا العلم بكل الفنون في رُبُوعِ الدُّنيا، كما دفعوا عنه شُبَهَ وضلالات أهل البدع ومن سايرهم، وحذّروا من كل ما أُدخِلَ فيه وليس منه، وإن أُلبِسَ ثوب الحق، وشُدَّ خصرُهُ بحزام الصّدق في ما يظهرُ للناس... مع علمي أنّ الذي انتقيتُ -بفضل الله وحده- سوف لن يُرضِ الكثير ممن ميّعَ أو تنطّع -وما أكثر مواقعهم جاورونا بها في قرية (النت)، ولكن لا يَهُم-؛ إذ أُوَجِّهُها لطالب الحق والباحث عن الحقيقة، أو من أراد أن يلتحق بركبهم وإن لم يَكُنْ منهم بادئ الأمر. أمّا وإن تقع بين يَدَيْ مُمَيّعٍ -وهذا الباعث لكتابة هذه الأحرُف- احترف الانحراف عن منهج أهل الحديث -وإن كان يدَّعي أنّه منه ويزعم-؛ فحتما سيُطلِقُ لسانهُ في الأسطر رامياً لها ولِي بالغُلوِّ والتّطرُّف(٢)!! السؤال الوجيه: هل يجرؤ أحدهم رميَ هؤلاء السلف بما يرموننا به هنا؛ إذا أثبتنا أننا وعلماءنا المعاصرين على نَفَسِهِم؛ بل وهم كانوا أشد؟! أو تقع تحت عَيْنَيْ مَن عُرِفَ بالغلو؛ فـ (قد) تَقرُّ عينُهُ لشيءٍ في نفسِهِ! كعدم اعترافه بجنانه وأنّهُ لا يرفع رأساً -على الأقل- ببعض علمائنا وطُلاّب العلم الكُثُر؛ ممّن لا يرضاهم (هو) لشدّةٍ مذمومة أو حدّةٍ فيه(٣)؛ وما ذاك إلاّ بتتبُّع العثرات -مع ندرتها!-، والتربُّص بالترصُّد لِعلماءٍ هُم من جُملةِ البَشَر -لم يدّعوا عصمة الأنبياء والمرسلين-؛ وتحميل كلامهم ما لا يحتمل متبوعا بكلام السلف -والذي في أهل البدع الغليظة وقتهم- مع إرادة تنزيله عليهم اليوم! -بعيدا عن تحقيق مناطه-... وبالتالي تكون الفاجعة والجناية معاً؛ إسقاط كل من عُقدت عليه الخناصر وأُشير لهُ بالبنان! فبربّك -يا أخي- من يَسلَمُ حينذاك؟! والعبرةُ ليست بهذين الصنفين المتطرِّفين: شدّة وغلُوّاً، وتساهُلاً وتمييعاً؛ وإنّما العبرة بمن -وما- كان وسطا بينهما مقيما الشِّرعة على نفسه ميزاناً، ونِعْمَ الميزانُ هُو. هذا المحفّز الحاثُّ لنصح هؤلاء الإخوة، بِضرب الأمثلة لهم من كلام علماء السلف ممّن لا نحتلِفُ وإيّاهم على إمامتهم في الدّين؛ لتكون عوناً لنا (نحن أهل السنّة) -بعد الله- في تبليغهم ما يجب أن يعلموه، ولهم العَوْنُ في فهمٍ ما عادَوْهُ لِما -أو لمَّا- جهلوه؛ {ليهلك من هلك عن بيّنة ويحي من حيّ عن بيّنة}[الأنفال: ٤٢]. فيا أيّها الرّاغب في السنّة؛ الطالب للحق؛ الباحث عن الحقيقة «... اليوم أخوك [المشفق على نفسه وإخوانه] يشدُّ عَضُدَكَ، وَيَأخُذُ بِيَدِكَ، فاجعل طوع بنانك»(٤)ما يأتي، وتأمّلهُ بعين باصرة، مصطحباً معك الإخلاص والإنصاف؛ إذ هو الفصلُ بينك ومن خالفك، وهو الفضلُ لك -بعد الله- عليه وحدك. وهاك من أقوالهم صُوَراً بها يُـكتفى؛ فتأمّلها -رَحِمَكَ اللهُ- وتجرَّد. ***** ***** ١- قال المرُّوذِيُّ: إن أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- ذكر حارثًا المُحاسِبِيَّ، وقال: «حارث أصل البلية -يعني: حوادث كلام جهم-، ما الآفة إلا حارث»(٥). ٢- وعن أبي الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: «كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل؛ فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قومُ سوء؛ فقام أبو عبد الله -وهو ينفض ثوبه- فقال: زنديق، زنديق، زنديق؛ ودخل البيت». ·قلتُ [ولا أريدُ بـ: (قلتُ!) مضاهاة لكلام شيوخنا الأبرار ولا حتّى طلبة العلم؛ ولكن لتمييز نفيس دُرر كلامهم ممّا هو دونه -أي: كلامي- وهو دونه في كل ما يأتي]: كيف لو كان الإمامُ المُبجَّلُ في وقتنا، وسمع أولئك المنتسبين للسلف والمدّعين الاشتغال بعلم الحديث؛ يقولون في إخوانهم قبيح الكَلِم! ويرمونهم بالفواقر التي تورّعوا -هُم أنفسهم!- في تصويبها للمبتدعة تحقيقا. بِمَاذا يصفهم يا تُرى، وبأيّ سَوْطٍ كانوا سيُجلَدُون؟! ٣- قال الذهبي في عبد الكريم بن أبي العوجاء: «زنديق معثر»(٦). ٤- قال أبو داود السجستاني: «قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟ قال: لا، أَوَ تعلمهُ أن الرجل الذي رأيتَهُ صاحب بدعة، فإذا ترك كلامه فكَلِّمْهُ وإلا ألحقهُ به»(٧). ·قلتُ: كثيرٌ من المخدوعين -في أيّامنا هذه- يخلِطونَ بين: إلحاق المتشدّق بالسنّة دعوى -وهو يُداهِن ويُهادِنُ أهل البدع وأصحاب المقالات المخالفة- بالمبتدعة ديانةً؛ بعد تبليغه الحُجّة، وتعليمِه ما قد يُعذَرُ لاحتمال جهله به -كشخصٍ-، أو جهله بأصل الفعل أو القول -كبِدعةٍ-... وما يترتّبُ الحكم على الأوّلِ إلاّ لاكتسابه صفة الثانية تقعُ عليه. و«من لم يُبدّع المبتدعَ؛ فهو مُبتدعٌ» بإطلاق!... بعيدا عن إنصاف أهل السنّة، ضاربين صفحا عن مدى علم أو جهلِ من كان الأصلُ فيه البراءة حيــال تبديع ذاك أو الآخر، وكذا وموقفهُ من كلِّ ذي بدعة أو ابتداع. وهذا المسلكُ سبيلٌ مطروق من (الحدّاديّة)؛ إذ فيه الإلزام بما لا يلزم، ودعوةٌ مُبطّنة للتقليد الأعمى، وتحفيزٌ على العصبيّة السَّادِرَة،... كل هذا باسم السنّة؛ لتسويق أفكار الخلف الناتجة عن سقيم فهمهم لعقلهم الخرِف(٨)! فليس هذا من منهج أهل السنّة والسلف؛ فكيف يكونُ عليه أتباعهم الذين يقصّون على آثارهم، هذا إن لم يكنُ التقصيرُ حاصل أحيانا بتخفيف الشدّة والتعنيف على المخالف؛ للظروف -نظرا للمصالح والمفاسد- والتأني في مُناصحة المُحدِثِ الأشهر والسّنوات؛ لاعتبارات كثيرة يراها الناصِحُ...؛ فكيفَ يُرمونَ بهذه الشدّة وبذاك الإجحاف! ولم يكن عليه أهل القرون الثلاثة؟!! ولِمَ لَمْ يرموا بـ (الغُلُو) من نُقلت عنه تلك الشدّة على هؤلاء المخالفين والمبتدعة؟! ما سِرُّ التفريق بين المتقدّمين والمتأخرين في الحمل عليهم، مع أن لازم مسلك القوم يقتضي أن يُشنّع على المتقدّمين زيادة؛ لِما فيهم من الشدّة الفائقة على المبتدعة؛ بل ثبت عن بعضهم أن حظُّوا على قتل بعض المبتدعة! ٥- وجاء في «تاريخ الدوري» (٣/٧٧) ترجمة (رقم ٣٠٩): سمعت يحيى [يعني: ابن معين] يقول: وذكرتُ له شيخنا كان يلزم سفيان بن عيينة يقال له: ابن مناذر -وهو: محمد بن مناذر مولى بني صبير بن يربوع شاعر معروف-(٩)؟ فقال: «أعرفه كان صاحب شعر، ولم يكن من أصحاب الحديث، وكان يُرسل العقاربَفي مسجد الحرام حتى تلسع الناس! وكان يَصبُ المداد -أي: الحبر أو الصّمغ- في المواضع التي يتوضأ منها حتى تسود وجوه الناس! ليس يروى عنه رجل فيه خير». ·أقولُ: من شرِّ البليّة -من البريّة- ما يُضحك! ورَحِم الله الإمام ابنَ معينٍ رحمةً واسعة. فالبيان لما عليه الرجال يكون بما قلَّ أو كَثُرَ، لِما في المقام من العلاقة بدين الله وبأخذ العلم الشرعي عنه -وهو حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ الأصل الثاني بعد القرآن-؛ وكذا فعل الإمام. ٦- وفي «سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي» (٢/٤١٠): وسمعتُ -أي: البرذعي- أبا زرعةَ يقولُ: قلنا ليحيى بن معين: أن سويد بن سعيد يحدث عن ابن أبي الرجال، عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: «من قال في ديننا برأيه فاقتلوه». فقال يحيى: «سويد ينبغي أن يبدأ بهفيُقتل... »(١٠). ·قلتُ: هذا الذي أشرتُ إليه قريبا؛ ولعلّه أحدُ الأمثلة. ٧- قال ابن محرز(١١): سمعتُ يحيى بن معين يقول: -وذكر أبا سليمان الجرجاني- فقال: «أبو جرجان ينبغي أن نهدم حول داره أربعين دارا هكذا، وأربعين دارا هكذا، وأربعين دارا هكذا، وأربعين دارا هكذا». فقال أبو خيثمة: يا أبا زكريا فيدخل دارك في هذا الهدم؟! قال: «لا أبالي يبدأ بداري أولاً حتى تطهر تلك البلاد منه». ·قلتُ: وهنا لفتةٌ لطيفة تضمّنت أمرين: الأول: التشنيع الواضح والتعنيف على من خالف الحق؛ كونهُ عضُدا لأهل الباطل؛ فتأمّل -أخي الأريب- ألفاظ الإمام فيه. والثاني: الإنصاف والعدل الذي ينضحُ به كلام الإمام ابن معين -رحمه الله-؛ ليس حاله كمَن يأكُل الدُنيا بالدّين -وهو في بحبوحة غير مُكرهٍ ولا مُضطَرٍّ كما هو مُشاهَدٌ في عصرنا هذا!-؛ حتّى وإن تعارض أو فاته من مصالحهِ الدنيوية -لكلمته هاته- ما لا تهون على غيره تركُها ولو بتفكيره! فلله درّهُ من إمام. ٨- قال أبو نعيم في «الحلية»(٩/١٠٦): حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: «مَن حدَّث عن أبي جابر البياضي بَيَّضَ الله عينيه»اهـ. ·قلتُ: أي أعماهُما؛ لأنّهُ مُتّهمٌ بالكذبِ... وما أكثر مَن حالهُ كهذا الأخير؛ بل ربَّما يزيدُ عنه بالعداوة لأهل السنّة والطّعن عليهم -في كل فرصة تسنح- لا يتورّع البتَّةَ! وإذا قيل فيه مِعشار ما قيل في هذا؛ قالَ وقال معه أعوانه: أنتم: (غُلاةُ التجريح! وجماعةُ الإقصاء! وأهلُ الجرح والتجريح! والسّبابة... وخوارج التجريح!) وهلُمّ سَحبا! فماذا أبقيتم للخوارج ومن كان في فلكهم بعد هذا؛ فحسبُنا الله ونِعمَ الوكيل... ٩- قال ابن محرز(١٢): وسمعت يحيى وذكر حسين الخياط؟ قال: «أخذ حجة من آل المطلب بن عبد الله بن مالك، فذهب إلى الأهواز فقعد بها!». فقال أبو خيثمة: يا أبا زكريا إنه يحدث! فقال: «ما يكتب عنه إلا من لعنه الله وغضب عليه!». ·قلتُ: هلاَّ رُمِيَ يحي ابنُ معين بِمَا يُرمى بِهِ عُلماؤُنا اليوم! خاصّة وأنهُ تلفّظ بكلمة في حقِّ من يُحدِّثُ عن (حسين الخياط) وليس هو؛ فهل يجرؤ أحدُهم في عصرنا هذا أن ينسِبَ للإمام تلكم (القاعدة) القاعدة! والتي يعيبون بها أهل السنّة ظُلما وجوراً: «من لم يُبدّع المبتدع؛ فهو مُبتدع» بإطلاق!... هلاَّ تجرّؤوا! وليتهم يتجرَّؤون... ١٠- جاء في «سؤالات البرذعي لأبي زُرعة»(٢/٤٤٣): قلتُ [البرذعيُّ]: عمر بن عبد الله بن أبي خثعم؟ قال [أبو زرعة]: «واهي الحديث، حدث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث لو كانت في خمسمائة حديث لأفسدتها». ·قلتُ: ليت شعري؛ أين أصحاب منهجِ المُوازنات من هذا... أين؟! ليتَ قومي يعلمون! ١١-قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «بيان الدليل على بطلان التحليل» (ص ١٣٨): ولما وضع بعض الناس كتابا في الحيل اشتد نكير السلف لذلك، قال أحمد بن زهير بن مروان: كانت امرأة هاهنا تمر، وأرادت أن تختلع من زوجها، فأبى زوجها عليها، فقيل لها لو ارتددتِّ عن الإسلام لَبِنْتِ مِن زوجك! ففعلت ذلك! فذكر ذلك لعبد الله -يعني ابن المبارك- وقيل له: إن هذا في كتاب الحيل، فقال عبد الله: «من وضع هذا الكتاب فهو كافر، ومن سمع به فرضي به فهو كافر، ومن حمله من كورة(١٣)إلى كورة فهو كافر، ومن كان عنده فرضي به فهو كافر». وقال إسحاق بن راهويه عن شقيق بن عبد الملك: أن ابن المبارك قال: في قصة بنت أبي روح حيث أمرت بالارتداد، وذلك في أيام أبي غسان، فذكر شيئا، ثم قال ابن المبارك -وهو مُغضب-: «أحدثوا في الإسلام، ومن كان أمر بهذا فهو كافر، ومن كان هذا الكتاب عنده، أو في بيته [...] ولم يأمر به فهو كافر»، ثم قال ابن المبارك: «ما أرى الشيطان كان يحسن مثل هذا حتى جاء هؤلاء فأفادها منهم! فأشاعها حينئذ، أو كان يحسنها، ولم يجد من يمضيها حتى جاء هؤلاء». ·قلتُ: كما يقعُ التشنيع على المبتدعة والمخالفين للحق؛ يلحقُ كتبهم سواء بسواء. بل قد يكون -أحيانا- التحذير ممّا كتبوه أشد من التحذير من أعيانهم؛ خاصّة إذا مات وكان محسوبا على الإسلام والسنّة، ويملكُ من مفاتيح البيان وسلاسة التعبير؛ بحيث يكون بِمَظِنّة أن يَدُسَّ -أو دَسَّ- في كتبه بمعسولِ الكلام... ما به قد يسلبُ الألباب ويُبهر به الأنظار؛ فيصرف وجوه الناس إليه مع أنّهُ رجل ضال! والسّلفُ كانوا يُعاملون الكُتبَ وما في جنسها كما يُعامِلون أصحابها؛ لأن ما سُطِرَ ما هو إلاّ عرض لعقل هذا الأخير وما فيه من ضلال؛ بل خطرهُ يكمنُ -كذلك- كونهُ يبقى إرثاً للأجيال من أبناء المسلمين يتوارثونه، ولا أحد يضمن -بعد مُضيِّ حِقب متطاولة- أن يُنفى الدّخيل ويُعرف؛ بل قد يُرفع وأنّه الدين! وفي ما يأتي نقلُهُ خير دليل؛ فانظره أخي -غير مأمور-: ١٢- جاء في «طبقات الحنابلة» (٢/٣٩): قال الخلال أخبرني محمد بن أحمد الطرسوسي قال: سمعت محمد بن يزيد المستملي يقول: سأل رجلٌ أحمدَ بنَ حنبل؛ فقال: أكتب كتب الرأي؟ قال [أحمدُ]: «لا تفعل، عليك بالآثار، والحديث». فقال له السائل: إن عبد الله بن المبارك قد كتبها. فقال له أحمد: «ابن المبارك لم ينزل من السماء!إنما أُمِرنا أن نأخذ العِلمَ مِن فَوق». ·قلتُ: هنا وَقَفات لا يفوتُنا أن نذكر أبرزها باختصار: الأولى: السائلُ مجهولٌ؛ فلو كان من العلماء أو -على الأقل- من طلبة العلم البارزين لَذُكِرَ اسمُهُ؛ فكأنّهُ من جملة العوام، وسؤاله يوحي بهذا. الثانية: نَهْيُ الإمام أحمد -(لمن كان هذا حاله=من العوام)- قراءة كُتب الرّأي لما فيها من ضلال، مع تضمّنها على خير وإن قل. إذ ليس في الكتب شرٌّ مَحضٌ قط؛ بل قد يتخلّلُ من النور تلك الصفحات المظلمة فلا يظهر جلياً؛ لِما حوتهُ في طيّاتِها من زيغ صارخ(١٤). الثالثة: العبرة بالحق ومن وافق قولُه الحقَّ، لا بالرجال يُعرَفُ الحقُّ. ولكن؛ نقولُ كما قال السّلفُ: إعرف الحقَّ؛ تعرِفْ رِجالَهُ. الرابعة: لا يجوز قياس الأمور باختلافها واختلاف أهلها وظروفها ومُلابساتِها -وهذا في العموم، والتفصيل له محلُّهُ ليس هاهُنا- على شخص بينهُ وبين ابن المبارك كما بين المغرب والحِجاز! فشتّان... شتّان! ١٣- قال ابن تيمية -وهو رمزٌ لمنهج السلف، ولم يزامنهم معاصرةً- : «وابن الفارض -من متأخِّرِي الاتحادية- صاحب القصيدة التائية المعروفة بـ: «نظم السلوك»، وقد نظم فيها الاتحاد نظما رائق اللفظ؛ فهو أخبث من لحم خنزير في صينية من ذهب، وما أحسن تسميتها بنظم: «الشكوك» الله أعلم بها وبما اشتملت عليه، وقد نَفَقت كثيرا، وبالغ أهل العصر في تحسينها، والاعتداد بما فيها من الاتحاد، لما حضرته الوفاة أنشد: إن كان منزلتي في الحــب عندكم***ما قد لقيـت فقد ضيعت أيّامي أمنيــة ظفـرت نفسي بها زمنا***واليوم أحسبها أضغاث أحلام»(١٥). ·قلتُ: لم يُغنِ رونق اللفظ وحسن النّظم من وصفه بما يستحق؛ وذاك بأن شَبَّههُ بِلَحمِ خِنزير -وهو مُحرّمٌ لا شك- معروض على طبقٍ يَحرُم الأكلُ فيه استقلالا -دون حُرمة الأكل في غير هذه الصورة-؛ فكيف إذا اجتمعَ البلاءان يا صاحِبِي؟!! كيف؟! فهلاّ اقتدى المروِّجون لكُتُبِ سيّد قطب بهذا الإمام الجهبذ -في نكيره على من خالف الحق(**)-؛ إذ اشتملت -أي: الكُتب - على ضلالات كُــبرى مازالت تكتسحُ الشرق والغرب بحجة أنّهُ أديبٌ ألمَعِيٌّ لا يُشقُّ له غُبار! ومتى كان هذا يُغني عن الحق...؛ فَأفيِقُوا؛ واعدِلوا. ونقدُ الكُتب قد يشمل حتّى بعض ما ألّف أهلُ السنّةِ، وإن على كعبُ كاتبه وضرب أطناب الدُّنيا صِيتُهُ؛ فالحق: أجل وأكبر وأحق أن يُتَّبعَ... ويكون بردِّ الخطأ ودرء الخطر، مع حفظ كرامة كاتبه لأنّ الظنّ به وأنّهُ لا يتعمّد الخطأ، زِدْ لهذا ما هو عليه من أصول أهل السنّة الثابتة؛ فيُلتمسُ له العذر ويُبحثُ له عن مخرج يُحتمل(١٦). بخلاف من كان مبتدعا يتعمّدُ الخطأ، أو لا يتعمده ولا يرجع عنه إذا ما روجِعَ؛ فهذا يُشنّعُ عليه وما كَتَب، ولا كرامة له أبدا. وَلِيتّضِحَ ما قلتُ -أعلاهُ- يكفي النّظرُ في الآتي -أسفلهُ-. ١٤- قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا سليمان قال: سمعت عبد الله بن أحمد يقول: سمعت أبي يقول: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: «يا أبا عبد الله أنت أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا. قال عبد الله: جميع ما حدث به الشافعي في كتابه فقال: حدثني الثقة، أو أخبرني الثقة فهو أبي -رحمه الله-. قال عبد الله: وكتابه الذي صنفه ببغداد هو أعدل من كتابه الذي صنفه بمصر، وذلك أنه حيث كان هاهنا يسأل»(١٧). فيما قال ابن أبي حاتم في كتاب «آداب الشافعي مناقبه» (ص ٥٩-٦٠): ثنا محمد بن مسلم بن واره الرازي... قلت لأحمد: فما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين أحب إليك أو التي بمصر؟ قال: «عليك بالكتب التي وضعها بمصر، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك». ·قلتُ: وهذا الصحيح الذي قاله الإمام أحمد؛ لمعرفته بشيخه تمام المعرفة، وسَبقهِ على ابنِهِ في العلم والسنّ والإمامة... وهي الحقيقة مع الشافعي الإمام -رحمهُ الله وتلميذه-. ومنهُ كان للإمام الشافعي في بعض المسائل أكثر من قول؛ باعتبار مذهبه الأوّل في العراق، وبعدُ رجوعه لمصر مع رجوعه عن بعض ما كان قد قال به لقول آخر -كالمذهب الثاني-؛ لِمَا زاد في علمه وطرأ عليه ولم يكن له قبلُ. والأمر ليس بالمَعِيب؛ بل هو دلالة واضحة على أن الإمام رجَّاعٌ لِلحق بِحَق، وهذا حاصِلٌ مع جمهرة من العلماء المخلصين الصادقين؛ لا حُرِمنا منهم. كما رأيتَ -أخي القارئ- مَنهجَ أولئك الأئمّة من السلف وقومتهم -بالحق، والإخلاص، والإنصاف، والعدل...- لبيان ما به يُحمَى الدين، ويُنفى عنه الدّخيل؛ لا تثنيهم المثبّطات ولا تحولهم على الصدع بما تقرّر عندهم الأناسي ولا ما خفي؛ فقد قال الحافظ أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (١/٣٣٥): حدثني هشام قال: حدثنا مغيرة بن مغيرة عن رجاء بن أبي سلمة، عن خالد بن دريك قال: «كانت في ابن محيريز خصلتان، ما كانتا في أحد ممن أدركت من هذه الأمة: كان أبعد الناس أن يسكت عن حق بعد أن يتبين له [حتى يـ]ـتكلم فيه، غضب فيه من غضب، ورضي من رضي، وكان من أحرص الناس أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده»(١٨). زيادة على هذه؛ نُورِدُ -لطيفة ونُكتة!- من نقل الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (٥/٢١١) قولهُ: حدثني محمد بن علي الصوري -حفظا- قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن أحمد بن سختويه، والحسين بن سليمان بن بدر الصوريين يقولان: سمعنا أبا عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري يقول: سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: كنت عند أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب فقال لي: «يا أبا بكر، اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغلتُ أنا بزيد وعمرو؛ فليت شعري ماذا يكون حالي في الآخرة؟». فانصرفتُ من عنده فرأيت تلك الليلة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام؛ فقال لي: «أقرئ أبا العباس مني السلام وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل». قال ابن سختويه: قال لنا أبو عبد الله الروذباري: «أراد الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل». وقال ابن بدر: قال لنا الروذباري: «أراد أن جميع العلوم مفتقرة إليه». ·قلتُ: على فرض صحّة القصّة -فإثباتُها أو ردُّها لأهل الاختصاص، نتركها لهم-؛ فهي الغنيمة الباردة لأبي العباس، ومَن له مِثل ما لَهُ؟! كلُّ هذا الذي سبق من: التغليظ، والتشنيع، والتشديد، والتبديع، والتخطئة، والتقريع... لمن يستحق ذلك؛ والأصلُ -دائما وأبدا- في هذا (العِلمُ)، لا الشّهوة والهوى -فيما عُرف عن أئمّتنا- وإلاّ لكان قولهم ليس كالذي صدر منهم في من عُلِم حاله لهم، وأحسنُ مثال هاهُنا ما ذكرهُ المَرُّوذِيُّ بقوله: «ذكرتُ لأبي عبد الله [يعني: أحمد] رجلا. فقال: في نفسي شغل عن ذكر الناس. وذُكِر له رجل. فقال: ما أعلم إلا خيرا(١٩). قيل له: قولك فيه خلاف قوله فيك! فتبسم، وقال: ما أعلم إلا خيرا؛ هو أعلم وما يقول، تريد أن أقول ما لا أعلم(٢٠)؟! وقال: رحم الله سالما [بن عبد الله بن عمر] زحمت راحلته راحلة رجل، فقال الرجل لسالم: أراك شيخ سوء! قال: ما أبعدت. عن سفيان عن سليمان عن أبي رزين قال: جاء رجل إلى فضيل بن بزوان، فقال: إن فلانا يقع فيك. فقال: لأغيظن من أَمَرَه؛ يغفر الله لي وله(٢١). قيل له: من أَمَرَه؟ قال: الشيطان»(٢٢). هذا الذي تيسّر نقلُه عن أئمّتنا الأعلام -وذلك لبعض أقوالهم في من كان ظهرَ لهم حاله، أو في المقابل خَفِي عنهم-؛ ومن أتى البحر استقلَّ السّواقيَ... ***** ***** وفِي الخِتَامِ... فاعلم -وفّقك الله لمرضاته- أن الشّناعةَ على المخالفين للحق والمبتدعة؛ سُنّة السلف باقية و«... ماضية في حفظ الله لدينه مادام في الأرض كتابٌ يُتلَى، وسنّة تُدرس، وفي القلوب عقلٌ وإيمانٌ»(٢٣). إذ هؤلاء وأمثالهم؛ «لا مكان لهم في سجِلِّ العلماء المعتدِّ بهـم إلاَّ على سبيل إسبال بردة التفنيد، والرّمي في وجهتهـ[ـم] بكل نقدٍ وتنقيد»(٢٤). إذن؛ فَلَسْنَا بِدعاً من الأوّلين المرضِيّين... فَلِمَ الحملُ علينا وعلى علمائنا بهذه القساوة، والتي لم يجعلوا لمُستحِقّيها -من المُبتدعة- نصيباً -ولو الشّيءَ اليسيرَ-؟! لِمَ ...؟! لِمَ -أَوْ مَا- هذا الطعن المُسوَّقُ في علماء السنّة والحديث؛ لا يتورّعون! برميهم -ظُلما، وعُدوانا غير مُبرَّر- بـ: (الغُلُو!) يمشون على سِكّته؛ لا يفتُرون! تارِكينَ وراءهم ظِهريّا: الأدلّة الشرعية (وهي: القرآنُ، والسُنّة)، والإجماع، وكلام الأئمّة في هذا الشأن، وسير العلماء عبر القرون من تاريخ الإسلام، والإنصاف في القول، والعدل في الحُكم... وما دونهُ فكثيرٌ -وهو أهون ممّا سبق-؛ فما أوهن عقولهم وقلبوهم إذا! أَمَا وإنَّ حالهم هذا؛ فما أدخلهم لصرح العلم من هذا الباب ومُستواهم لا يسمحُ لهم أن يقتربوا من حِمَاهُ! فضلا على أن يتسوروا جدرانَهُ الشّماء -كما فعلوا ويفعلون!-. ولكن... هُم لم يتجرّؤوا على هذه الثلّة من خيرة العلماء (أتباع السّلف)؛ إلاّ بعدما تجرّعوا مِلء أحشائهم قواعد كل منحرف؛ رأس ماله الهوى والفَلَس! فلا عجب -يا صاح- ولا جديد؛ إذّاك الكَدرُ ما هو إلاّ ساقيةٌ من بحرٍ مُحيطٍ يمدُّها بِما فِيهِ! فلا داعي للعجب... لا داع، نعم. وأقولُ لهؤلاء الطاعنين في علمائنا: رُويدكم؛ فالحقُّ ليس كما تظنُّون أو يُهيِّأُ لكم، لا... هو ليس كذلك! وإنّما للفصلِ بيننا -بتخطئة المخطئ ومِن ثَمَّ أمره بسلوك الجادّة والعود الحميد، وإقرار المصيب على صوابه وحثّه في الثبات عليه-؛ فَلْيَحكُم حَكَمٌ يكونُ مرضيا لا يختلفُ فيه عاقِلان، ولا أحسنَ منهُ -هُنا- من: العِلم(٢٥). والرّجوعُ للحق -ويكونُ بالعلم لا بالهوى والجهل!- فضيلةٌ -كما هو معلومٌ ومتقرِّرٌ-، وعكسُهُ يورِثُ عكسَهُ... كل هذا بالتجرّد والاختيار (قناعة شرعيّة)؛ لا بحدِّ السّيف ووقعِ السوط -كما قد يُظنُّ!- من غيره؛ فقد جاء عن أبي نعيم في «الحلية» (٩/١١٧)؛ قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم قال: سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: «ما أوردتُ الحقَّ والحجةَ على أحد؛ فقبلها مني إلا هبته، واعتقدت مودته. ولا كابرني أحد على الحق، ودفع الحجة الصحيحة؛ إلا سقط من عيني، ورفضته». فُكُنْ -أُخَي- من هذا الكلام على ذُكْرٍ؛ بل اجعلهُ عندك كَذُخْرٍ؛ فكلامُ الشافعيّ الإمام بمثابة الفحص والتشخيص... والتشخيصُ للدّاء خطوة للشفاء منه بالدّواء؛ وإن كان الأوّلُ خاطئاً؛ فالثاني لا يزيد المريضَ عن البُرءِ إلاّ بُعداً؛ بل -ربما- يتسبّبُ بوصفته له الموت المحقق -ولا شفاء منه حينئذ!!-. فَهَاك جُرعةً -على قِلّتِها- مِمّن نثِقُ في طبِّه ووصفه للدّواء؛ فلا بأس على العليل، وطهوراً -إن شاء الله-. قال الزّيلعيُّ -رحمه الله-: «ما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب»(٢٦). وقال ابن القيم -رحمه الله-: «إنّ أغزر الناس مروءة أشدُّهم مخالفةلهواه»(٢٧). إنّ إدمان هذين على (الرّيق=الإخلاص) مع المُدّةِ يُبرئ المرءَ؛ ويكسر هوى النفس وعاطفة القلب؛ حتّى يتّسِمَ بالصدق؛ فيكون سجيّة رجّاعاً للحقِّ. وأمّا ما يُكرّرُهُ بعضُهُم؛ يقول: إنّ هذا «التشنيع على المخالف» يزيدُ من تفرّق الأمة وتقطّع أواصر المحبّة بين أفرادها وكبرائها وَذَوِي الوجاهة والعلماء. قُلنا -جوابا عليه-: ومتى والأمّة مجتمعة؛ حتّى يُقال -الآن بالذات- أنّ «التشنيع على المخالف» -وهو صيانةٌ لمنهج الإسلام مما يدخله وليس منه- يُسبِّبُ تفرُّقها؟! «... وأعلم أن هذا الكلام لكونه باطلا يستثقله القلب العاقل»(٢٨)، يرُدُّه كلُّ من كانت له مُسكة من علم، أو بقيّة من فهم... أمّا هؤلاء الخُلُوفُ مِنَ المُميّعة؛ فلا يعلمون لأنهم يجهلون، بل أكثرهم يتجاهلون(٢٩)! «فهل فَهِمَ الخرّاصُون؟ لا يَسُرُّنا أن يفهموا، ولا يسوؤنا أن يجهلوا أو يتجاهلوا»(٣٠). فلا «... ولن يبلغ السّادِرون في العصبيّة مأربهم، وإن أكل البُغض قلوبهم، والله من ورائهم محيط»(٣١). والله ربّ العالمين أعلم بالحقّ والصّواب؛ فمن وقف منكم -إخواني الأحبّة- على خطأ أو حَيدة عن الصواب؛ فلا يُبطّئ وليُبادر في البيان لي ولغيري بالتعليق أسفل ما هو مكتوبٌ؛ لأعدّل الخطأ وأرجع عنه، بارك الله فيكم. وَاللهُ الهَادِي إلى سواء السبيل... فـهُوَ {نِعمَ المولى ونِعمَ المصير} [الأنفال: ٤٠]. وخير الهُدى هُدى محمد. صَلِّ اللَّهُمْ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيه، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ وسلّم تسليما كثيراً إلى يوم الدين. ***** ***** عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ مَيْلُود الجَزَائِرِيُّ -عَفَا اللهُ عَنْهُ وعن والديه- فِي يومين بَقينَ مِن شَهْرِ الله المُحَرَّمِ؛ سَنَةَ ١٤٣٢ هـ المُوَافِقِ -بِقَدَرِ اللهِ تَعَالَى- لِـ: الثالث من (جانفي)؛ سَنَةَ إحدى عشر وَأَلْفَين مِيلاَدِيَّةٍ ________________ (١) من «حلية طالب العلم» التي أمتعَ في شرحها الشيخُ ابنُ عثيمين -رحمه الله- وأمّا ما بين كل معقوفين فتصرُّفٌ مِنّي: بتعديل يسير على أصل النّقل لِيُفهم مُرادي... وما يأتي من نقلٍ بعدُ بنفس النسق؛ فشأنُه كهذا. (٢) فيهم من ينشر لعبارة: «لا نُقلِّدُ أحداً» أو أخرى: «قولك لا يلزمني!»[١] ومعناها ترك التقليد جملة، وربّما قد يصل بأصحابها أن يخرقوا الإجماع في بعض مسائله! وما كان دونه فمن بابٍ أولى؛ كي يعيث في الشّرع فساد كل فرد –كان من كان! وإن اُشتُهِرَ بالمخالفة-، وبالشّذُوذِ تفرّد! وهؤلاء ما يفتؤون ينتهون من جَورِهم قولاً؛ حتّى ينقلِبوا على أعقابهم جهلاً من رؤوس التّقليد -بل والتّعصّب!- لأصحاب المنهج: (الأفيح=التميّع=... أو الموازنات!) فعلاً وقولاً وحالاً... وقد عاينّاهم وعانيناهم! =[١] أقصد -هنا- في (الجرح -فقط!-) -أمّا ما دونَهُ فَبدُونه!-؛ حتّى لا تُسقَطَ راياتهم، ولا تُبدَّعَ أشياخُهُم؛ فالجرحُ وإن فُسِّرَ لا يقبلونَهُ، ودعواهم فيها عدم التقليد! فيا رائحة الإخوان تنبعث! (٣) ومن مثل هذا كانت «الحداديّة» ومنهجهم فاسدٌ لا شك؛ وذلك لتفريقهم بين الرُّواة والمنحرفين من المشايخ والدُّعاة الغير مذكورين في كتب (الجرح والتعديل)؛ حيث قالوا بذكر سبب الجرح في النوع الأوّل دون الثاني، كون الأوّل منصوصٌ عليه في الكتب، أمّا الأخير فيُذكر فيه التبديع، والتحذير، والإسقاط... من غير ذكر السّبب، وما على السّائلِ إلاّ أن يُقلِّدَ الحكم من المُجيب -أي: المسؤول- والشّكُّ في الحكم يقدحُ فيه ويلحِقَهُ بالمنحرف ذاك!! فأيُّ غلوٍّ هذا؟! كل هذا برّرُوهُ بدعاوى كاسِدة؛ وأنّه من قبيل الفتوى! قال ابن خواز منداد: «التقليد معناه في الشرع: الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع في الشريعة، والإتباع: ما ثبت عليه حجّة، وقال: كل من اتّبعت قولهُ من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلّدهُ، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل إتباع قولَهُ؛ فأنت متّبعه والإتّباع في الدين مسوَّغ والتقليد ممنوع» إعلام الموقعين (٢/١٨١). وللشاطبي في «القواعد النورانية» (ص ٤٩) كلاما نفيساً مفادُهُ: أن المُكلّف بأحكام الشريعة لا يخلو من أحد ثلاث، وذكر: المجتهد، والمقلّد الصّرف، و الغير بالغ مبلغ الصالحُ فهمهُ للأدلّة في الترجيح بالمرجّحات المعتبرة. (٤) «حلية طالب العلم». (٥)«بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم» ليوسف بن عبد الهادي (ص ٩٩). (٦) قال ابن عدي: لما أخذ لِتُضرَب عنقه قال: «وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرّمُ فيها الحلال وأحلُّ الحرام»، قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة؛ وانظر «الميزان» (٢/٦٤٤). (٧) «طبقات الحنابلة» (١/١٦٥٠). الإمام المُبجُّلُ يلحقُ من أبى ترك المبتدع -مع خلافه له أصلاً فيما يظهر- ومن غير موازنةٍ؛ فانتبِه -أخي الكريم- ونبّه من كان منهجه هذا الأخير. (٨) وسبقت الإشارة لهذا قريبا -سبق من هامش(٣)-؛ فلك أن ترجع له. (٩) مترجمٌ في «معجم الأدباء» (٥/٤٤٧)، و«الوافي» (٥/٤٣). (١٠) وهو في «العلل» (١/٤٥٧)؛ بنحوه مختصرا. (١١) أنظر «معرفة الرجال» (١/١٦٣). (١٢) أنظر «معرفة الرجال» (١/١٢٧). (١٣) الكورة هي: المدينة، والصقع. (١٤) أين أصحاب منهج الموازنات من هذا؟! عسى أن تعلو وُجوهَهم حُمرةٌ من خجل! (١٥) أنظر «مجموع الفتاوى» (٤/٧٣). (**) وهذه صورة أخرى في تشنيعه على المستحق لذلك؛ قال الْمَقَّرِيُّ في «نفح الطيب» (٥/٢١٦): «وكان شديدَ الإنكارِ على الإمامِ فخرِ الدينِ، حدثني شيخي العلامة أبو عبد الله الآبلي أن عبد الله بن إبراهيم الزموري أخبره أنه سمع ابن تيمية ينشد لنفسه: محصـل في أصول الدين حاصله***من بعد تحصيـله عـلم بلا دين أصـل الضلالة والإفك المبين فما***فيـه فأكثره وحي الشياطيــن قال: وكان في يده قضيب، فقال: والله لو رأيته لضربته بهذا القضيب هكذا، ثم رفعه ووضعه». (١٦) جاء في «زاد المعاد» (١/٣١٣):... وقال المروذي: من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيا؟ قال: «ما أعرف هذا». قلت له: يحكى عن أبي ثور أنه قال: هو عاص. قال: «لعله ذهب إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلّم-: اجعلوها في بيوتكم». اهـ قلتُ: هذا الذي أشرتُ إليه -أعلاهُ- بقولي: فيُلتمسُ له العذر، ويُبحثُ له عن مخرج يُحتمل. (١٧) «الحلية» (٩/١٧٠)، ومن تأمل نظرَ أنّ عبدَ الله بن الإمام أحمد خالفَ أباه في هذا الشأن! (١٨) وهو -أيضاً- في «الحلية» (٥/١٤٤). (١٩)، (٢٠)، (٢١) قلتُ: هذا الشاهد! فما تركوا لأنفسهم حظا حتّى وإن نيلَ منهم -رحمهم الله- لم يضرّهم؛ فما أبرّهم بالناس وقبلهم بالعلم الشرعي؛ فلله درّهم. هو هذا العلمُ -يا أخي الكريم-، يقول بما يعلم وإلاّ فلا؛ فما أعدلهم وأنصفهم مع الخلق، كونهم أعرفهم بالحق... وكفى القول: هُم الأئمّةٌ لهذه الأمّة؛ من حاد عن نهجهم ضل ولا محالة. أراد الإمام أن يُغيضه؛ وقد كان -بإذن الله- يغفرُ الله لنا ولهم، اللهمّ آمين. (٢٢)من كتاب المرّوذي نفسه: «الورع» (ص ١٨٤). (٢٣)، (٢٤)من «براءة أهل السنّة» بتقريظ سماحة الوالد الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله-. (٢٥)قال الشيخ ربيع بن هادي -حفظهُ الله-: «نقول: «بيننا وبينكم السلف، بيننا وبينكم الكُتُب». كان أحمد يقول لأهل البدع: «بيننا وبينكم الجنائز»، ونحن نقول ذلك، ونقول: «بيننا وبينكم الكتب»؛ الكتب موجودة... ... نأتي بكتب السلف؛ نأتي بالقرآن، نأتي بالسنّة، نأتي بكتب البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنّسائي، وما ألّفهُ أحمد، وما ألّفه غيره... نأتي بها ومن هو على طريق هؤلاء، ومن يُنابِذهم ويُخالفهم؛ كما تحدّى الله اليهود أن يأتوا بالتوراة؛ فجاءت التوراة ففضحتهم! نحن نتحدّى هؤلاء أن يأتوا بكتب السّلف لتفضح المبتدعَ مِنَّا أو منهم، وتبيّن من هو المُنحرف؛ أَنحنُ أم هُم؟! هل يستطيعوا أن يتحدّونا هم؟ هل يستطيعوا أن يفتحوا أفواههم بمثل هذا الكلام؟ ... نحن -والله- ندعوا إلى منهج السلف الصالح؛ إلى كتاب الله، وسنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ونحتجُّ في عقائدنا، وعباداتنا، ومواقفنا من الحكام والمحكومين، والجماعات والفرق على كتاب الله، وعلى سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-. أمّا الآخرون: فعلى الحِيَل، وعلى التلبيس، وعلى الضّحك على الذُّقون -كما يُقال-؛ والله لن تجد عندهم إلاّ الحِيَل والتّلاعب بعواطف الشباب». من مقطع صوتي لهُ بعنوان: «بيننا وبينكم الكُتُب». · قلتُ: والعلمُ الذي نَتَحاكم إليه في الكتب مسطورٌ-وما أكثرها!-؛ مَوروثُ سَلَفِنا؛ فبها الغُنية. (٢٦) «نصب الراية»(١/٣٥٥). (٢٧) «روضة المحبين» (ص ٤٢٨). (٢٨) قالهُ شيخ الإسلام ابن تيمية في «تنبيه الرجل العاقل» (١/٣٨٩). (٢٩) جهلوا الحق وجهلوا حتّى ما حفظوا؛ وهو:(الغلو!) الذي يطاردهم في يقظتهم ونومهم كـ (الغول!)؛ فامتهنوا (اللّغو!) -إنتقاما زعموا !- بـ (الولغ!) في أعراض العلماء... فيالها من بليّة مُركّبة! –عافانا الله وإيّاكم-. (٣٠)مِمّا قالهُ الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في «تصدير نشرة جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين». (٣١)«براءة أهل السنّة».
الموضوع الأصلي :
مَواقفٌ للسّلف وأتباعهم ممّن خالف الحقّ أو ابتدع... فهل هم غُلاةٌ -أيّها الدُّعاة-؟!!
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
عبد الغني بن عيسى الجزائري
|
#2
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
|
#3
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا على هذه الفوائد القيمة
|
#4
|
|||
|
|||
بارك الله فيك أخي عبد الغني
على عادتك تأتي بالددر و النفائس فجزاك الله خيرا |
#5
|
|||
|
|||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.