|
كاتب الموضوع | أبو عبد الله بلال يونسي | مشاركات | 0 | المشاهدات | 3080 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الحدود المشروعة والممنوعة في الجائز والمحظور في أوصاف المدح ؛ باعتباريه : الحقيقي والتخييلي
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته و تحقيقا لواجب النصح والبيان ودفعا للبس والإيهام وقطعا لأسباب النفرة والاختلاف : هذه مشاركة كنت قد ضمنتها في يوم مضى أحد مواضيعي في منتديات الشعر السلفي كان مضمونها حول : (( الحدود المشروعة والممنوعة في الجائز والمحظور في أوصاف المدح ؛ باعتباريه : الحقيقي والتخييلي )) . وذلك بعد أن وصفت الشيخ أبا رواحة الموري بـ ( شيخ الشعراء ) ؛ فما كان من تواضعه حفظه الله إلا أن رفض ذاك الوصف مع إرادة جامحة إلى التملص منه ؛ فما كان مني حينذاك إلا أن أوردت هذه المشاركة بيانا للحق ووضعا للأمور في نصابها : وقد ذكرت هنا الكلام الذي علقت عليه من تواضع شيخ الشعراء أبي رواحة الموري حفظه المولى بعظيم كلاءته -آمين: قال شيخ الشعراء أبو رواحة الموري : لقد وصفتني ابا عبد الله عفا الله عنك : بشيخ الشعراء وباقي الأدباء , وهذا في حد ذاته كفيل بتوقفي عن التعليق , الأمر الذي لا أقبله مع شكرك على حسن ظنك ولكن رحم الله امرءا عرف قدر نفسه , ثم إن هناك في الساحة من هو أعظم شاعرية وأكثر معرفة في الأدب ممن نعلم وممن لا نعلم , كيف والذي أجهله أكثر من الذي أعلمه , وحسبك حديث: قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان وقال أبو عبد الله بلال : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واستن بسنته واتبع هداه إلى يوم نلقى ربنا جل في علاه وبعد : يا غربتاه ... آنستم وحشة أخيكم بجميل خصالكم وصالح ودادكم الوسط شيخ الشعراء ... قلت أن وصفي لك بما سلف مباين للواقع ... وعللت بوجود من هم خير منك ... شيخ الشعراء هذا أمر أدين به لا قول ألقيه على عواهنه ... ولا يردني صددك ولا إعراضك عن وصفك بما أراه حقا ... بل هو واجب وإضماره أو ترك إشهاره ظلم .... ليس ظلما في حقك بل هو ظلم في حق اللغة والشعر والمنهج ... إي نعم .... حقا شيخ الشعراء نحن كلنا نسلم بوجود الأفضل ودائما يوجد الأفضل وفي كل الميادين يوجد القادرون على الكمال .... ولكن شيخ الشعراء أنت تعلم الفرق بين القادر بالقوة والقادر بالقوة والفعل ... وهل مثل قول الشاعر إلا في هؤلاء القادرين ولكن بلا فعل : ولم أر في عيوب الناس شيئا *** كنقص القادرين على التمام وأنت شيخ الشعراء تعلم كذلك أن الأوصاف تنقسم إلى ما حمل في نفسه مدحا وما لم يحمل مدحا بل ملازم للموصوف ابتداءا أو حدوثا ... وأن أوصاف المدح منها ما هو موافق للحقيقة في نفس الأمر ومنها ما هو محض تضخيم وألقاب لنيل الزلفى عند الممدوح .... وأما القسم الثاني وهو غير أوصاف المدح فكله حقيقة ولكنه على نوعين كمال ونقص وكلاهما نسبي ؛ والكمال المطلق لله تعالى ... والقسم الأول والذي هو مدح كالسخاء الحاصل على وجهه ؛ والسخاء البياني تلاعبا بالألفاظ ومقايسة وتوليدا إيهاميا بضم المعاني إلى بعضها البعض ؛ وهذان مثالان - (نموذجان) - تجدهما في كل أنواع المدح ؛ ولذلك نجد المدح مدخلا عظيما للحظوظ النفسية والأهواء الانفعالية ... وصرف المدح كصرف غيره من المعاني ؛ قال الإمام محمد الخضر حسين : " ينقسم التصرف في المعاني على ما يقول الشيخ عبد القاهر الجرجاني إلى تحقيق ؛ وتخييل ؛ والفارق بينهما : أن المعنى التحقيقي ما يشهد له العقل بالاستقامة ؛ وتتضافر العقلاء من كل أمة على تقريره ؛ والعمل بموجبه ؛ ........؛ والتخييلي : هو الذي يرده العقل ؛ ويقضي بعدم انطباقه على الواقع ؛ إما على البديهة ؛ كقول بعضهم : لو لم تكن نية الجوزاء خدمته **** لما رأيت عليها عقد منتطق فكل أحد يدرك لأول ما يطرق سمعه هذا البيت : أن الكواكب لا تنوي ؛ ولا تنطق ؛ ولا تخدم ؛ وأن تلك النجوم المتناسقة في وسط الجوزاء مركبة فيها من قبل أن يصير الممدوح شيئا مذكورا . أو بعد نظر قليل ؛ كقول أبي تمام : لا تنكري عطل الكريم من الغنى *** فالسيل حرب للمكان العالي نهى المخاطبة في صدر البيت عن إنكارها لفاقة الكريم وفراغ يده من المال ؛ وأخبر في العجز بأن السيل لا يستقر على الأماكن المرتفعة ؛ وهذا المعنى في نفسه صحيح ؛ ولكن الفاء في قوله : (فالسيل حرب) أفصحت بأن السبب في عدم توفر حطام الدنيا لدى الكريم ؛ هو كون الماء إذا وقع على الأماكن العالية لا يلبث أن ينحدر إلى ما انخفض عنها من وهاد وأغوار ؛ وهذا إنما وصل إلى الذهن بتخييل أن رفعة القدر بمنزلة المكان الحسي ؛ وأن الماء الدافق ينساق إلى الرجل فيقضي منه وطره ؛ ثم يرسله إلى بني الحاجات ؛ فيكون القول بأن مكانة الكريم لارتفاعها جعلت المال يمر على يده ؛ ثم ينطلق بالبذل والإنفاق ؛ يستند إلى الماء يجتمع على ما صعد على وجه الأرض من أكمات وهضاب ؛ وهذا القياس ضرب من التخييل لا يجول في العقل إلا ريثما ينظر إلى أن السبب في عدم استقرار الماء على الأماكن العالية كونه جرما سيالا لا تتماسك أجزاؤه وتثبت في محل إلا إذا أحاط بجوانبه جسم كثيف ؛ وليس للدرهم والدنانير هذه الطبيعة حتى يلزم أن تمر على يد الكريم ثم تنصب منها إلى من كانوا أدنى منه منزلة . ويفهم من وجه التفرق بين القسمين : أن مجرد الاستعارة عندهم لا يدخل في قسم التخييل ؛ وقد صرح الجرجاني بهذا في كتاب (أسرارالبلاغة) ناظرا في أن المستعير لا يقصد إلى إثبات معنى اللفظة المستعارة حتى يكون الكلام مما ينبو عنه العقل ؛ وإنما يعمد إلى إثبات شبه بين أمرين في صفة ؛ والتشابه من المعاني التي لا يتنازع العقل في صحتها " - فاللهم ارحم الشيخ العلامة محمد الخضر حسين والإمام الجرجاني رحمة واسعة - ... وهذا النوع من الوصفين هوالذي يتوجه إليه الذم غالبا وما شذ منه يتجاذبه طرفا طلب الفعل والكف كتحصيل مصلحة أو تحفيز لمحمدة أو اقتداء ؛ وعكسه دثر خبيث نفس غلبت عليه الشرور فيكون إظهار محامده سبيلا لاغترار العامة ببعض المذموم من فعاله ظنا منهم أنها من جنس الممدحة ؛ وشرطه كالملح في الطعام .... والقسم الثاني له بابان أحدهما ماكان من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" قوموا لسيدكم " ؛ وقوله :" ومن دخل بيت أبي سفيان كان آمنا " وقول الصحب الكرام :" أبو سفيان شيخ قريش" ؛ ومثله قولنا : الشيخ ربيع حامل لواء الجرح والتعديل ؛ وهذا مما اتفق العقلاء على جوازه بل أعطوه حكم المعتاد بصنعهم ؛ حتى لا نظن غيره ؛ بل منه ما هو واجب ؛ كوصفك العالم أو الملك ؛ فلا يصلح خطابك له في العادة يا فلان أو يا علان ؛ وهذا مما لا يخشى فيه على الموصوف تأثر لتوافق الوصف مع الموصوف ؛ كما لا يغتر الإنسان بكونه إنسانا إلا فاسد الفطرة ؛ إذ الفخر ليس بمجرد الإنسانية بل بالتقوى وإعمال الفكر في أسرارالكون وأسبابها الموصلة إلى الكريم الخلاق ؛ ومثله وصف العالم بشيخ كأمثال النووي والدويش والحكمي مع أنهم لم يبلغوا سن الكهولة ومناداتهم بذلك ولا نرى نحن ولا هم حرجا في ذلك ؛ بخلاف ما لو نادينا الحدث في العلم والسن ياشيخ ؛ فنرى التأثر عليه وكذلك في الواصف ؛ ومثلها تماما قولك لحفيد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يا شريفا ... وثانيهما - أي البابان - ما كان من قبيل قولنا : فلان الأعور والأعرج على سبيل التعريف ؛ وهذا مما جاز أصله مع خوف الشطط فيه ... وهذا - أي القسم الثاني - مما لا يصلح في المدح مطلقا ولو جعله بعض من لم يتمرس في الكلام العربي مدحا ؛ بل هو نقيض المدح وذلك أن المدح إخبار بغير الحقيقة وهذا تحقيق ؛ ولو أنك استعملت هذا النوع في المدح لكان لغوا ؛ كقولك للملك يا ملك وللبواب يا بواب ؛ أو ذما لا مدح فيه ؛ وهذا الذي يقول العقلاء فيه : مدحي بما ليس في ذم لي وهزء بي ؛ كقولك للرق يا ملك العرب أو قولك للجبان يا فاتك الأبطال ... ومن هنا يتبين السبب في النهي عن التلقب بالقسم الأول مع جواز الوصف به لتضمنه مدحا ؛ بخلاف القسم الثاني فإنه يجوز التلقب به والتسمي به كذلك ؛ أولم تر العرب تسمي شجاعا وإذا سألتها قالت تيمنا ولم تقل تحقيقا فجاز من هذا الباب ؛ ولا تسمي سخيا لأنه لا تيمن فيه ولا يدخل إلا على سبيل التحقيق على ما جرى في قانون كلام العرب الفصيحة ... وهكذا يكون وصفي لك وتلقيبي لك من قبيل ما لا مدح فيه وكذلك قولي لأخي أبي عبد الرحمن شاعرا لا تقعر فيه - وهو الغلو في المدح - ؛ ونحن لا نقول أن هذا القسم مناف للتواضع وإظهار التذلل لله بترك إشهاره وطلب إضماره ؛ ولكن لا ذم على من أطلقه ولا لوم على من كان أهلا له لو سكت عن قائله ؛ وهنا نقول كما قال أهل الأصول : (الجهة منفكة) .... وهذا مبحث عظيم سالت منه أقلام البلغاء وتهافت في تحقيقه الأدباء وهد به الشعراء ؛ وأنت شيخ الشعراء أعلم بما أرمي وأخبر بما قفوتُ .... ومن كل هذا يعلم أن أحق الناس بالمديحة هم العلماء وأن أكمل الناس علماؤهم فهم خيارهم وإليهم حلول المعضلات ...
الموضوع الأصلي :
الحدود المشروعة والممنوعة في الجائز والمحظور في أوصاف المدح ؛ باعتباريه : الحقيقي والتخييلي
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
أبو عبد الله بلال يونسي
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.