|
كاتب الموضوع | أم جمانة السلفية | مشاركات | 0 | المشاهدات | 3043 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
خطبة مفرغة: [من سُبلِ التمكين الصبرُ على الأذى وعلى المُؤذِينْ] لشيخنا العلامة يحيى الحجوري
من سُبـــــل التمكــــين الصـــــــــــبر على الأذى وعلى المُؤذين خطبة جمعة للشيخ العلامة المجاهد الناصح الأمين أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى سجلت هذه المادة في 25 شوال 1432هـ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران:(102)] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}[الأحزاب]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. أيها الناس روى الترمذي وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَإنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".وفي رواية عند الترمذي قال :" واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا"وهذا حديث عظيم حسن ،علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس على وجه الخصوص، وعلمه الأمة على وجه العموم ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل هذا الحديث مستنبطا له من كتاب الله بما أوحاه الله عز وجل إليه ، والله عز وجل يقول في كتابه الكريم :{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}[الأنعام :34] أي أتاك نبأهم من نبئهم أن الله ناصرهم بعد ابتلاءهم وصبرهم على ما يحصل من الأذى ، ونظير هذه الآية قول الله -سبحانه وتعالى- بعد أن ذكر دعوة الرسل لقومهم ، وما أجابهم به من التكذيب ، قال الله عز وجل عن رسله :{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }[ابراهيم : 12] ، فأبان سبحانه بعد هذه الآية أنه نصرهم ، قال الله سبحانه وتعالى:{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) }[ابراهيم]، فأبان -عز وجل- أن من خاف مقام الله وخاف وعيده وصبر على الأذى من أجله، أن الله ممكنه ، ولما شكا قوم موسى على موسى عليه الصلاة والسلام ما حصل لهم من الأذى من قبله و بعده صبرهم وبشرهم ،قال موسى لقومه{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُواْ أُوذِينَا} –شكوى عظيمة على نبي الله- {أُوذِينَا من قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}-الأذى مستمر-{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(129)}[الأعراف:128-129]، وهذا لا شك فيه أنه سبب من أسباب التمكين ، وأنظر إلى نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام قال الله -عز وجل- عنه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [ الأحزاب :69] ، له وجاهة عظيمة نبي من أنبياء الله،وفعلا نصره الله –عز وجل- ، وأيده وكانوا يتهمونه أنه آدر؛ منتفخ الخصية،في يوم من الأيام وضع ثوبه على حجر، وكان لا يغتسل مع بني إسرائيل من أجل ذلك اتهموه، ونزل يغتسل ، وجعل الحجر يفر بثوبه إلى ملأ بني إسرائيل ،وهو يضرب الحجر بعصاه ويقول ثوبي حجر ثوبي حجر –أي دع ثوبي يا حجرـ وأبى الحجر ، ولا يزال مستمرا بالثوب وموسى يتبعه حتى رآه بني إسرائيل سلِما ،{فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا }[ الأحزاب :69] ، وهذا نصر من الله -سبحانه- ، وهذا دفع لما حصل له من الأذى،سخر الله الحجر لهذا النصر ولهذا الدفع، أيــها النـاس إن ما يحصل لأنبياء الله ورسله، ومن سلك مسلكهم واهتدى بهديهم واقتفى أثرهم من الأذى هو سنة الله في خلقه، ففي الصحيحين لما التقى النبي صلى الله عليه وسلم بورقة بن نوفل ، ... ذهبت به خديجة إلى ورقة تنبئه ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أو في أوان بعثته ، قال ورقة رضي الله عنه هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، وما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وفي لفظ و أوذي، و لا إن أبقني الله حتى يظهرك الله لأنصرنك نصرا مؤزرا، فهذه سنة الله{وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }[الأنعام:34]، سنة الله في خلقه أن الله عز وجل يبتلي أولياءه بالمجرمين ، ويسلط المجرمين على أذى المؤمنين، أذى بدون ضرر،أذى، قال الله عز وجل :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}[ الفرقان:31]،-فما من نبي إلا وابتلاه الله عزوجل ببعض المجرمين يؤذونه-،{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرً}[ الفرقان:31]،وما ذلك إلا أن التمكين قبله أذى ،هذه سنة الله في خلقه ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله –عز وجل –له:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)}[الأحزاب] ، ويقول الله عز وجل له :{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا (47) وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48)} [الأحزاب]، {وَدَعْ أَذَاهُمْ}-أي اصبر على أذاهم-،فإنهم أذوه كثيرا ، وقال الله عز وجل له مبينا ما يحصل له من الأذى منهم :{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة:61] هؤلاء هم الذين ابتلوا بأذى المؤمنين وأبتلي المؤمنين بهم ، أيــها النـــاس هذه سنة الله في خلقه فلا بد من الصبر على الأذى لسائر من آمن أن يتحمل ذلك، وأن يعلم أن هذا سبيل إرادة الله-عز وجل- لتمكينه، وفي الصحيح من حديث خباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متوسدا بردة له في ظل الكعبة، فأتاه بعض الصحابة يشكون ويشكون ما حصل لهم من الأذى من المشركين قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كَان الرَّجُلُ َيُحْفَرُ لَهُ حفرة فِي الْأَرْضِ وَيُمْشَطُ ويُشَقُ بِالْمِنْشَارِ أو يُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ لا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخشى إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"فدائما وأبدا أن ما يحصل من الأذى من المجرمين على المؤمنين إلا وأن ذلك لرفع درجاتهم ،ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" حتى الشوكة فكيف بما هو أعظم من ذلك ، إن من يتبنى أذى المؤمنين والفتن عليهم والشر عليهم، وتبطئ طرقهم ، وإضعاف ثرواتهم ، وإزهاق أرواحهم، وزعزعة أمنهم، وغير ذلك من الفتن ، والتفريق بينهم والعداء لهم ،لهو متشبه بمن ذكر الله –عز وجل- في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته في تلك الأدلة عند الترمذي بسند حسن وجاء عن أبي برزة وثابت عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ"وعيد شديد أيها المسلمون في إذاء المسلمين ، هذا ضرر كبير والله ، وإن كان لا يحصل من ضرر على المؤذى وإنما هو شيء من الأذى مدفوع ،وصاحبه متوعد باللعنة ، ومتوعد بعذاب أليم {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا-بغير ما لم يُجِبوا ذلك-فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا58 } [ الأحزاب:57-58]،إذاء المسلمين في دينهم، في دنياهم،في معايشهم، في البغي عليهم ،في التقول عليهم ، هذا كله مؤذن بنقمة الله –سبحانه وتعالى-، ومبطل للصدقات ، ومبطل لشيء كثير من الحسنات، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ}[ البقرة:264] ،تذهب أعمالهم كلها بسبب الأذى " أتدرون من المفلس ؟ ) قالوا : من لا درهم له ولا متاع، قال :( من يأتي يوم القيامة بحسنات كأمثال جبال تهامة أو قال :كذا وكذا قال ثم يأتي وقد ضرب هذا و شتم هذا وسفك دم هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و لهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ) "،إذاء المسلمين حرام إلا بحق، حتى ولو بالثوم، ولو بالبصل ، وبرائحة كريهة، ففي حديث جابر عند الإمام مسلم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ من الثُّومِ أو الْبَصَل أوالْكُرَّاث فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ"،"يَا مَعْشَرَ مَنْ أَمن بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ" هذا إذا كان بالتعيير، وبشيء من الأذى ، وكيف بإذاء المسلمين والفتنة عليهم وقلقلة الأوضاع وزعزعة الأمن وتفريق الصفوف والتحريش والشر والعداء والعمالة للكفار ، غير ذلك مما لا يرضاه الله –سبحانه وتعالى-، ولا يقره شرع، ولا عرض ولا مروءة، نعم إذاء المسلمين محرم ، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ قَالُوا يا رسول الله مجالسنا مَا لَنَا منها بُدٌّ قَالَ إن أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالأمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ"، هذا من شروط الجلوس في موضع يمر الناس فيه، أنه من تلك الشروط أن لا يحصل منه أذى لمسلم ، وهكذا دفع الأذى عن المؤمنين فيه أجر عظيم والله في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ –أي بسب شجرة-قَطَعَهَا عن طرِيقِ المسلمين كَانَتْ تُؤْذِي المسلمين "وفي لفظ "في غُصْنٍ"غصن من شجرة نحاه عن طريق المسلمين ، كان يؤذي المسلمين ، فبسبب هذا رفع هذا الأذى اليسير، اليسير، استحق بذلك جنة عرضها السموات والأرض ، ورفع الأذى حسنة ، والسكوت على الأذى سيئة، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَرأيت من مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ وََرأيت ُ من مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ "ذلك الأذى الذي يمط عن الطريق حسنة،وهذا الأذى الموجود في المسجد لا يزال سيئة، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يصبح على كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ صَدَقَةٌ وكُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وتميط االْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ "،{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى} [البقرة :263]،كلمة والله فيها خير، خير من الصدقات الهائلة التي يمحيها الأذى، مهما فعلت ، قدمت ، صنعت، وأنت تؤذي المسلمين فإن هذا ضرره عليك مبين ،إياكم والفتن، إياكم والأذى ،إياكم والشر فإن الشر لا يعود على صاحبه إلا بالشر،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يونس:23].الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله ومن اتبع هداه،أما بعد، فاعلـموا عباد الله أن هذا الأذى لا يضر، وإنما هو يعود على صاحبه بالشر ،قال الله-عز وجل –{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...(110) –إلى قوله-لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ (112)}[آل عمران]،والقرآن فيه تناسب في آيات كثيرة منه ، ومنها هذه الآية ، فبعد أن ذكر الله أن المؤمنين لا يتضررون من الأذى ، ذكر الله أن الذين يقومون بالأذى يُذَلون ، يذلون ، وتضرب عليهم الذلة وتضرب عليهم المسكنة ولا يضرون من أذوه، هذا وعد الله -سبحانه وتعالى-،اعلموا أن أمر الأذى للمسلمين أنه يُضعف الإيمان ، وأن دفع الأذى من الإيمان، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فأَعَلاه قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاه إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ " اعلموا أن الابتلاء لابد منه وأن الأذى لابد منه،سواء على مسلم أو مجرم،ولكن المؤمن إذا كان أوذي من أجل الله فإن ذلك فضل عظيم له،{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}[آل عمران:195]، اعلموا أن هذا الأذى الذي يحصل للعباد أنه لابد منه في هذه الدنيا للمسلم والمجرم،{إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}[النساء :104]،فإذا أوذيت أيها المسلم إياك أنت تفتن في دينك،فإن هذا ليس بثبات، وإنما الثبات هو الذي أثنى الله عليه،هو أنك تعتقد أن هذه البلوى لك فيها خير لا يعلمه إلا الله، {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور}[آل عمران: 186]، هذا هو العزم ، هذه القوة هنا، أنك تصبر على ما يحصل لك من أذى في أي جانب من الجوانب أوذيت ، وإياك والترنح إذا حصل لك أذى من عدو،أو باغ ،أو من جانب أو آخر، قال الله –سبحانه وتعالى-:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}[العنكبوت :10]، وهذا على سياق الذم لهذا الصنف الذي يجعل فتنة الناس كعذاب الله ، ولا يجوز ذلك فإن عذاب الله شديد،وإن بطشه شديد،وماذا سيكون فتنة الناس وأذية الناس بجانب عذاب الله ؟!، هذا شأن من وصفهم الله بقوله{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الحج:11]، كان أحدهم إذا ولدت امرأته غلاما ونتجت فرسه ورأى من النعمة عليه، استبشر وقال هذا دين طيب ،دين صالح، وإذا حصل له أذى وابتلي بعد إسلامه ،حصل له أذى وابتلي بعد إسلامه ربما ارتد عن دينه وقال هذا دين سوء ،هذا شأن غير من أثنى الله –سبحانه وتعالى –عليهم، شأن من أسلم بلسانه ولم يفضي الإيمان إلى قلبه ،كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،اعلـموا عباد الله أن أمر الأذى الذي يحصل في هذه الدنيا للعباد متحقق لا محال{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}[البلد:4]،{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}[العنكبوت] ، وإنما سبـيل التمـكين ، وسبـيل ما يرضـي الله –سبحانه وتعالى-هو ما سلـكه أنبـياء الله ورسـله عليهم الصلاة والسلام في هذا الجانب وفي غيره،حتى يسر الله لهم ما أراده لهم من التمــكين والعــــز، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [ آل عمران :26]، نسأل الله عز وجل بعزته وجلاله أن يدفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يؤمن بلادنا وسائر بلاد المسلمين ، وأن يسلط على من أراد الفتن في بلاد المسلمين بما أراده وبما علمه لهم مما يدفع شرهم ، والحمد لله رب العلمين . قام بتفريغ المادة الصوتية: أبو عبد الرحمن إبراهيم غفر الله له ولوالديه. 1 ذي القعدة 1432 هـ أكادير المغرب الأقصى للتحميل من موقع الشيخ حفظه الله (بصيغة آر أم) من هنا ويمكنكم تحميل الخطبة من الخزانة العلمية (بصيغة آر أم) من هنا
الموضوع الأصلي :
خطبة مفرغة: [من سُبلِ التمكين الصبرُ على الأذى وعلى المُؤذِينْ] لشيخنا العلامة يحيى الحجوري
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
أم جمانة السلفية
__________________
عن قتادة -رحمه الله تعالى- قال: "قد رأينا والله أقواماً يُسرعون إلى الفتن، وينزعون فيها، وأمسك أقوامٌ عن ذلك هيبة لله ومخافة منه؛ فلما انكشفت: إذا الذين أمسكوا أطيبُ نفساً، وأثلج صدوراً، وأخف ظهوراً من الذين أسرعوا إليها وينزعون فيها، وصارت أعمال أولئك: حزازات على قلوبهم كلما ذكروها. وأيم الله، لو أن الناس يعرفون من الفتنة إذا أقبلت كما يعرفون منها إذا أدبرت لعقل فيها جيل من الناس كثير، والله ما بعثت فتنة قط إلا في شبهة وريبة إذا شبّت". كتاب حلية الأولياء، ج: (٢). ص: (٣٣٦-٣٣٧). التعديل الأخير تم بواسطة أم جمانة السلفية ; 04-22-2013 الساعة 10:28 AM. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.