حكم قول التابعي:"من السنة كذا"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه المسألة من جملة المسائل المشتركة بين علمي أصول الفقه وأصول الحديث، وسبب الخلاف فيها: الاختلاف في المراد بالسنة في قول التابعي، هل ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أم إلى سنة أصحابه من بعده؟ وثمرة الخلاف فيها عند الأصوليين أنها إن ألحقت بالمرسل المرفوع دخل فيها الخلاف في حجية المرسل، وإن ألحقت بالموقوف دخل فيها الخلاف في حجية الموقوف. وثمرة الخلاف فيها عند المحدثين أنها إن ألحقت بالمرسل صلح هذا القول من التابعي للشواهد، وإن ألحقت بالموقوف لم يصلح هذا القول للشواهد.
واستدل القائلون بأن له حكم الرفع بأدلة، منها:
والذي يظهر رجحانه أن له حكم الرفع؛ لإن السنة إذا أطلقت إنما يراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم. والجواب عن استدلال القائلين بحديث:"عليكم بسنتي ..." " أن الخلاف في إطلاق السنة، وها هنا مقيدة منسوبة إلى الخلفاء، إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم-"[13] . وقوله:"من سن سنة حسنة..." المراد به البداءة بعمل السنة وإحيائها والعمل بها، كما دل على ذلك قصة الحديث، فلا يكون في الحديث إثبات سنة لغيره كما ذكروا، وقد يقال: الخلاف في إطلاق السنة، والسياق هنا يدل على تقييدها بغير النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قول علي-رضي الله عنه-:"وكل سنة" ، فمحمول على سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الزيادة حد، وقد ثبت الحد بالسنة[14]. وتردد السنة بين سنته صلى الله عليه وسلم وسنة غيره محله اللغة، أما العرف الشرعي فقد دل على انصرافها إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مقدم على العرف اللغوي، قال ابن حجر رحمه الله:" احتمال إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم -- أظهر لوجهين: 1-أحدهما: أن إسناد ذلك إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المتبادر إلى الفهم، فكان الحمل عليه أولى. 2-الثاني: أن السنة النبي - صلى الله عليه وسلم – أصل،وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته"[15]. وصل اللهم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم حذيفة خضر غنيمات-بيت المقدس --------------- [1] النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف، المجموع شرح المهذب، 1/ 60، دار الفكر، بدون طبعة. [2] المرداوي، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان، التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، 5/ 2027، تح: د. عبد الرحمن الجبرين و د.عوض القرني و د.أحمد السراح ، مكتبة الرشد، السعودية، ط1، 1421هـ-2000م. [3] ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، 3/ 428، دار الكتب العلمية، ط1، 1409هـ-1989م. [4] ابن أمير حاج، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن محمد، التقرير والتحبير، 2/ 150، دار الكتب العلمية، ط2، 1403هـ-1983م. [5] النووي، المجموع شرح المهذب، 1/ 60. [6] أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف، العدة في أصول الفقه، 3/ 994، تحقيق: د.أحمد المباركي، بدون ناشر، ط2، 1410هـ-1990م. [7] أخرجه أبو داود 4/ 200 رقم الحديث: 4607، وابن ماجه 1/ 15 رقم الحديث: 42، وصححه الألباني في المشكاة 1/ 58. [8] رواه مسلم 4/ 2059 رقم الحديث: 1017. [9] أبو يعلى، العدة في أصول الفقه، 3/ 995. [10] رواه مسلم، 1/ 1331 رقم الحديث: 1707. [11] أبو يعلى، العدة في أصول الفقه، 3/ 997. [12] ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد، نزهة النظر في شرح نخبة الفكر، ص109، تح: نور الدين عتر، مطبعة الصباح، دمشق، ط3، 1421هـ-2000م. [13] أبو يعلى، العدة في أصول الفقه، 3/ 997. [14] انظر: أبو يعلى، العدة في أصول الفقه، 3/ 997. [15] ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد، النكت على ابن الصلاح، 2/ 525، تح: د.ربيع المدخلي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط1، 1404هـ-1984م. |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 03:09 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي