|
كاتب الموضوع | أبو عبد الله بلال يونسي | مشاركات | 5 | المشاهدات | 7386 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
مجموع حلقات البنية اللغوية وأثرها في صياغة وتكييف القواعد الأصولية والفقهية .
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين هذه : البنية اللغوية وأثـــــرهــــــا في صـيـاغـة وتكـيــــــــــيـف القواعد الأصولية والفقهية ( قـــــــــا عــــــــد ة لــــــــا إنــكـــار في مسائل الخلاف ؛ نمــوذجــا ) وقد جعلتها شقين اقتداءا ببعض السلف أنهم كانوا يجعلون كتابين في غلاف واحد أحدهما الأصل والآخر حاشية وسواء كانت الحاشية على الأصل أم كتابا مغايرا ... و في هذا المجموع دراسة لغوية للقواعد الفقهية والأصولية ؛ ودراسة لمناهج المفسرين في تقرير العقيدة ... و ستكون على حلقات حتى يحصل المرغوب ... وهذا أوان الشروع في المطلوب : الحلقة الأولى : الحمد لله الذي هدانا إلى ما اختلف فيه من الحق؛ وأبان مابين الاستقامة والباطل من فرق؛ وصلى الله وسلم على نبي الصدق؛ خير الدعاة المرسلين لهداية الخلق؛فأخرجهم الله من ظلمات الشرك وربقات الرق؛وتمام الصلاة وأزكاها على الأصحاب والأتباع والإخوان أهل البر والحذق ؛ الصابرين على البلاء والضيق ؛ في سبيل الدعوة وجمع الصف على السنة والحق؛ شعارهم التوحيد ونبذ الفرقة في الغرب والشرق . وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إقرار وإذعان ؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادة تصديق وإيقان . وبعد : فهذه لفتات لطيفة سميتها: "البنية اللغوية وأثرها في صياغة[1] وتكييف[2] القواعد الأصولية والفقهية (قاعدة لا إنكار في مسائل الخلاف ؛ نموذجا[3])؛ تنم عن الثروة اللغوية التي حظي بها علماء الفقه وأصوله؛ وسبيلنا في ذلك النظر في ما قرروه من قواعد؛ وما استعملوه من أساليب غاية في الدقة؛ متدفقة البيان؛ باسقة الظلال في جنان البديع؛ وبساتين تعرب في نفوس ناظريها ألوانا من المحسنات تصرفهم إلى النحو الذي شدهت فيه عقول البلغاء؛ وترنحت في ترانيمه وتماوجت في شداه الصداح جوارح النبهاء؛ فأذعنوا لقرائحها المصقولة بروائع العبارة؛ ومعدول الإشارة؛ وما دلت عليه المناسبة من محذوف المقدرات؛ وما تأخر من لازم الأمارات[4]، وقد حاولت الإسهام في بيان هذه المزية لدى علمائنا بإيراد هذا الطرح عسى أن يجد من يسبر أغواره من أهل العلم المتفننين؛ وذلك لأن هذا المضمار كبير على مثلي من أهل العجز والجهالة؛ ولكن هي المساهمة في إثراء الموضوع قدر المستطاع؛ وإن كنت أعلم علم يقين أني لن آتي بجديد؛ ولكن هو التشبه بالكرام عسى ألحق بركبهم أو أكتب معهم إذ المرء مع من أحب؛ يبلغ بنيته ما لا يبلغه بقرابالأرض من الأعمال . وتحقيقا لهذا العزم فقد وقع الاختيار على قاعدة ( لا إنكار في مسائل الخلاف[5] ) كنموذج للولوج منه إلى المراد؛ وقبل الشروع في المقصود فإنه ينبغي من التقديم فأقول: إن مبنى كثير من الأحكام الشرعية التنظيمية لأحوال البشر والتي تنطبع بطابع العبادة غالبا وتلك التعبدية المحضة؛ في غالب أمرها ترجع إلى أصول وقواعد قررها العلماء المجتهدون عن نظر في أدلة الشريعة ومضامينها الكلية وقد كان اختلاف الفهوم وتفاوت المدارك من عالم إلى آخر سببا في تغاير النتائج المتوصل إليها وكذلك تنوع الأدلة من حيث القوة تارة والضعف حينا والجلاء لما تنطوي عليه من الحكم أو خفائه وإجماله مع بروزه في دليل خارج عنه إما من مادته أو مغاير لها أو مقارب .....وهكذا؛ مما جعل الناظر في ما ينتج عن كل هذا من أصول وفروع في حيرة من أمره وخصوصا إذا لم يكن من أهل الشأن وهو ما دفع إلى بروز كتب يعنى فيها أصحابها بتوضيح كوامن الخلاف وبواعثه كخطوة رئيسة في كبت النزاع ودرء الفرقة وأسبابها والتي غالبا ماتكون عن عصبية لمدرسة أو اتجاه فقهي معين ، وقد أثمرت هذه البحوث والتحقيقات عن نتيجة هامة هي الفيصل والحكم الفارق في هذا الباب عبروا عنها بعبارات مختلفة يجمعها قولهم (لا إنكار في مسائل الخلاف )؛ ولكن الإشكال الذي حصل هو حول المراد من النفي في قولهم: "لا إنكار... ". إن التحقيق في هذه المسألة يعني الإجابة عن سؤالين هما : - ما عمل (لا)[6]؟ ، - وما دلالة صيغة الإخبار على ما تتضمنه القاعدة من حكم ؟. أولا : (لا) تأتي على وجهين[7] إما للنفي وإما للنهي ؛ وشرط النهي غير حاضر هنا لعدم دخولها على سوى الفعل المضارع وكذا عملها جازمة ولا يكون في الأسماء لأنها لا جزم فيها وهو الذي لم يحصل كذلك لأن المعمول (إنكار) اسم ؛ وإذا تقرر هذا فلا يبقى سوى النفي وبدوره على شقين نفي الجنس ونفي الوحدة فأولهما تختص به العاملة عمل (إن)[8] ؛ وكلاهما مجموعان للعاملة عمل (ليس) ولكن المتوجه إليه أن (لا) هنا هي العاملة عمل (إن) ومرد الاختيار نفي الاحتمال عن حصول أنواع من الإنكار غير التي نريد دفعها بل المراد نفي كل إنكار وهذا الأمر لا يتأتى إلا مع (لا) التبرئة المراد بها نفيُ الجنس على سبيل التنصيص العاملة عمل (إن) ؛ وبيان ما ذكرت أن قولنا لا إنكار في مسائل الخلاف و(لا) عاملة عمل (ليس) أي ننطق لا إنكار بضم الراء مع تنوينها من لفظة (الإنكار) فيصير تقدير الكلام على اعتبارين أو احتمالين: الأول : لا إنكار (كائنا) بل إنكارات ؛ وهذا في حال نفي الوحدة ؛ وهو مردود لما نعلمه من حقيقة القواعد الفقهية والأصولية من كونها تتضمن حكما إنشائيا وتساق بصيغة إخبارية والإخبار بحصول عديد من الإنكارات في مسائل الخلاف إخبار بالمشاهد المحسوس فلا إنشاء فيه ؛ وقد يراد الحض على الإنكار والإكثار منه بإيراد النهي في قالب النفي وهذا أيضا نرده لأن الإنكار قائم دون طلبه وفائدة الطلب حصول ما لم يكن أو طلب الثبات عليه مع الزيادة فيه ؛ ومن هنا يتبين فساد هذا الاحتمال وبذلك نرده. الحاشية: [1] أي رسمها العام بحيث لا يدخل ماليس منها فيها ولا يخرج ماهو منها . [2]أي تحويرها على ما يناسب ما تتضمنه من أفراد وجزئيات مع الحفاظ على إطارها العام الذي وضعت لأجله . [3]قال الفيومي :"الأُنْمُوذَجُ: بضم الهمزة ما يدل على صفة الشيء وهو معرب؛ وفي لغة "نَمُوذَجٌ" بفتح النون والذال معجمة مفتوحة مطلقا؛قال الصغاني:النموذج مثال الشيء الذي يعمل عليه وهو تعريب "نَمُوذَهُ"؛ وقال: الصواب "النَّمُوذَجُ"؛ لأنه لا تغيير فيه بزيادة."[ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي]. [4] هذه تسمى براعة استهلال وقد ضمنتها كثيرا من مسائل اللغة ذات الصلة بما نحن بصدده على اختلاف الفنون من بلاغة وصرف ونحو ... والتي منها الإسناد والمناسبة والحذف و الالتفات والعدول والتقدير والمناسب والنفي والنهي و هكذا... [5] وهي عبارة عن مطلب تمهيدي من مذكرة تخرجي في قسم الفقه وأصوله وقد استللتها استلالا. [6] انظر: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (سنة الوفاة 911هـ) ، ج1/ص522-526. [7] انظر : الخصائص ، عثمان ابن جني - من أعيان المعتزلة يقول بالترادف في اللغة وفي القرآن فهو خدوم لشيعته يحاول دائما التأصيل لشبهاتهم في باب الأسماء والصفات – (توفي سنة 392هـ) ، تحقيق : محمد علي النجار ، الناشر عالم الكتب ، مكان النشر بيروت . [8] قال محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي ( 600هـ - 672 هـ) في ألفيته الموسومة بالخلاصة ، مؤسسة الرسالة ناشرون ، الطبعة الأولى ، 1423هـ/2002م ، بيروت ، لبنان ، ص28:" لاَ الَّتِي لِنَفِيْ الْجِنْسِ : عمل إن اجعل للا في نكره مفردة جاءتك أو مكرره فانصب بها مضافا أو مضارعه وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه وركب المفرد فاتحا كلا حول ولا قوة والثان اجعلا مرفوعا أو منصوبا أو مركبا وإن رفعت أولا لا تنصبا ومفردا نعتا لمبني يلي فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل وغير ما يلي وغير المفرد لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد والعطف إن لم تتكرر لا احكما له بما للنعت ذي الفصل انتمى وأعط لا مع همزة استفهام ما تستحق دون الاستفهام وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر.". الحلقة الثانية : الثاني : لا إنكار (كائنا) بلْ إقرارٌ كُلّـُه ؛ وهذا في حال نفي الجنس ؛ والحال هنا كسابقه فإما أن يكون هذا إخبارا عن المشاهد والواقع يرده لأن الإنكار حاصل ثابت لا يقبل الدفع ؛ وإما أن يكون نفيا متضمنا نهيا؛ أو قل نهي في سياق النفي وهذا الوجه قد يكون مراد بعض المتفقهة على وجه من الأوجه التي سيأتي ذكرها والماثلة في المطلب الثاني من المبحث الأول ضمن ثاني فصول هذا البحث –إن شاء الله- ؛ ولكن نرد هذا الوجه أيضا لا لكونه غير مناسب لما ترمي إليه القاعدة من طلب لترك الإنكار وإنما لكونه مشتركا مع الوجه الأول في الأصل وبذلك فاختيار المقطوع فيه البين الدلالة مقدم على المحتمل عند التعارض ونحن عندنا(لا) العاملة عمل (إن) أوضح في حصول النفي للجنس بخلاف (لا) العاملة عمل (ليس)[1] فإنها تحتمل الوجهين نفي الجنس ونفي الوحدة ولذلك فإننا نختار العاملة عمل (إن) لدلالتها القطعية-والله أعلم-. ثانيا : إن الجواب على السؤال الثاني حول دلالة الإخبار لابد له من مقدمتين : المقدمة الأولى : أن الغالب في القواعد الأصولية والفقهية الإتيان بها على صيغة الإخبار مع ما تتضمنه من حكم فقهي أو أصولي وهذا الوجه من الاستعمال وارد في لسان العرب وفي مواضع كثيرة من نصوص الكتاب والسنة ويدخل تحت أبواب غير قليلة من مباحث علمي البلاغة والنحو وكذلك يكثر استعماله في تصانيف الأدباء الكبار ومن الأبواب التي لها تعلق وطيد بهذا اللون من التعبير اللغوي ما يسمى بأسلوب الالتفات ويدخل تحته العدول من الإنشاء إلى الخبر ومن الخبر إلى الإنشاء و العدول من الخطاب إلى الغيبة و من الغيبة إلى الخطاب و العدول من الماضي إلى المضارع و من المستقبل إلى الماضي و غيرها من الأساليب ؛ ومن ألوان التعبير في بابنا ما يسمى عند بعض أهل الفن معدول الخطاب و كذلك ما يسمى نهيا في سياق النفي و كذلك ذكر اللفظ العام وإرادة المعنى الخاص و إرادة العموم بذكر الخصوص و غيرها كثير ؛ و لمزيد بيان فهذه أمثلة متنوعة : - قال أبوحيان في تفسيره[2](654 - 745هـ،/ 1256 - 1344م):"معدول الخطاب في قوله تعالى: {لا ريب فيه} صيغته خبر ومعناه أمر ؛ وقد مضى الكلام فيه....،قيل : وتضمنت هذه الآيات ضروبا من البديع: منها معدول الخطاب ؛ وهو أن الخطاب بقوله :{والذين يتوفون} الآية عام والمعنى على الخصوص.". الحاشية: [1]جاء في اللمحة في شرح الملحة ، محمد بن الحسن الصايغ (سنة الوفاة 720 هـ )، تحقيق : إبراهيم بن سالم الصاعدي ، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى، 1424هـ/2004م:" وتكونُ بمعنى (ليس) مختصّة بالنّكرات... (وجاء في هامش التحقيق):(لا) النّافية تعمل عمل (ليس) عند الحجازيّين، ومذهب بني تميم إهمالُها، ويُشترط لعملها عمل (ليس) عند الحجازيّين ثلاثة شروط: 1- أنْ يكون اسمها وخبرها نكرتين، نحو: (لا رجلٌ أفضلَ منك)، 2- أن لا يتقدّم خبرها على اسمها، فلا نقول: (لا قائمًا رجلٌ) ، 3- ألا ينتقض النّفي بـ(إلاَّ)، فلا تقول: (لا رجلٌ إلاَّ أفضلَ من زيد) بنصب (أفضل) بل يجب رفعُه.
وكما تُنظر هذه المسألة في: المفصّل 109، وشرح الكافية الشّافية 1/440، وشرح الرّضيّ 1/270، وأوضح المسالك 1/203، وابن عقيل 1/288 ـ 292، والهمع 2/118 - 120، وابن جني في اللمع 1/44 ، وابن القاسم في حاشية الآجرومية 111-112 . [2]تفسير البحر المحيط ؛ محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي؛ وفي تفسيره بعض التأويلات غير السائغة خالف بها مذاهب السلف في باب الأسماء والصفات ؛ ويا حبذا لو يتصدى لدراسة كتب التفسير متخصص من أهل الإثبات فينخل مناهج أصحابها في العقيدة ؛ وذلك أنني رأيت على قصر باعي وقلة اطلاعي أبحاثا كثيرة عني فيها أصحابها بمناهج المؤلفين في تقرير العقيدة في أكثر من فن كاللغة والفقه وأصوله ؛ ولم أقف على بحث حول مناهج المفسرين في تقرير العقيدة مع خطورته وأهميته البالغة ؛ مع اكتساح هذه التفاسير لمكتبات أهل الإثبات-والذي يجدر بالذكر أن بعض العلماء مروا على هذه المسألة تبعا في طيات كتبهم ومن أولئك ابن تيمية في مقدمة التفسير؛ ومجموع الفتاوى-؛ ولتحقيق واجب البيان وسيرا على الشرط الذي وضعه أهل العلم عند النقل عن أمثال هؤلاء من بيان حالهم ليحذرهم الناس ولا يغتر بهم العامة لمجرد النقل عنهم مع الإشارة إلى أن أكثرهم معدودون في أئمة الإسلام ولا يستغنى عن علمهم وإنما وقعوا فيما وقعوا بدافع البيئة وغيرها من الأسباب التي اعتذر بها العلماء لهم ؛ فإنني أحاول بيان حالهم بذكر بعض الإشارات مراعاة لحال الإيجاز وعدم الخروج عن المقصود ؛ مع التزام النصيحة للمسلمين بأخصر عبارة ؛ والله من وراء القصد.
الموضوع الأصلي :
مجموع حلقات البنية اللغوية وأثرها في صياغة وتكييف القواعد الأصولية والفقهية .
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
أبو عبد الله بلال يونسي
التعديل الأخير تم بواسطة الشاعر أبو رواحة الموري ; 02-14-2011 الساعة 09:29 AM. |
#2
|
|||
|
|||
البنية اللغوية وأثرها في صياغة وتكييف القواعد الأصولية والفقهية (قاعدة لا إنكار في مسائل الخلاف ؛ نموذجا) الحلقة الثالثة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثالثة - وجاء في مفاتيح الغيب للرازي (11) (سنة الوفاة 604):" وقرأ ابن عامر وحده :{كَانوا هم أشد منكم} بالكاف والباقون بالهاء أما وجه قراءة ابن عامر فهو انصراف من الغيبة إلى الخطاب كقوله :{إياك نعبد وإياك نستعين} بعد قوله :{الحمدلله} والوجه في حسن هذا الخطاب أنه في شأن أهل مكة فجعل الخطاب على لفظ المخاطب الحاضر لحضورهم وهذه الآية في المعنى كقوله :{قَرن مكناهم فى الارض ما لم نمكن لكم} وأما قراءة الباقين على لفظ الغيبة فلأجل موافقة ما قبله من ألفاظ الغيبة....، وما الفائدة في صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة ؟ الجواب فيه وجوه : الأول : قال صاحب الكشاف : المقصود هو المبالغة كأنه تعالى يذكر حالهم لغيرهم لتعجيبهم منها ويستدعى منهم مزيد الإنكار والتقبيح. ، الثاني : قال أبو علي الجبائي (12): إن مخاطبته تعالى لعباده هي على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام فهي بمنزلة الخبر عن الغائب وكل من أقام الغائب مقام المخاطب حسن منه أن يرده مرة أخرى إلى الغائب الثالث وهو الذي خطر بالبال في الحال أن الانتقال في الكلام من لفظ الغيبة إلى لفظ الحضور فإنه يدل على مزيد التقرب والإكرام وأما ضده وهو الانتقال من لفظ الحضور إلى لفظ الغيبة يدل على المقت والتبعيد ؛ أما الأول فكما في سورة الفاتحة فإن قوله : {الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } : كله مقام الغيبة ثم انتقل منها إلى قوله : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهذا يدل على أن العبد كأنه انتقل من مقام الغيبة إلى مقام الحضور وهو يوجب علو الدرجة وكمال القرب من خدمة رب العالمين ؛ وأما الثاني فكما في هذه الآية لأن قوله : {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ} : خطاب الحضور وقوله : {وَجَرَيْنَ بِهِم} : مقام الغيبة فههنا انتقل من مقام الحضور إلى مقام الغيبة وذلك يدل على المقت والتبعيد والطرد وهو اللائق بحال هؤلاء ؛ لأن من كان صفته أنه يقابل إحسان الله تعالى إليه بالكفران كان اللائق به ما ذكرناه.". - وجاء في المثل السائر لابن الأثير الموصلي (13) (سنة الوفاة 637هـ):" فأما الرجوع من الغيبة إلى الخطاب فكقوله تعالى في سورة الفاتحة :{ الحمد لله رب العالمين ؛الرحمن الرحيم ؛مالك يوم الدين ؛إياك نعبد وإياك نستعين ؛اهدنا الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعمت عليهم } هذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب وبما يختص به هذا الكلام من الفوائد قوله :{ إياك نعبد وإياك نستعين } بعد قوله :{ الحمد لله رب العالمين } فإنه إنما عدل فيه من الغيبة إلى الخطاب لأن الحمد دون العبادة ألا تراك تحمد نظيرك ولا تعبده فلما كانت الحال كذلك استعمل لفظ الحمد لتوسطه مع الغيبة في الخبر فقال :{ الحمد لله } ولم يقل (الحمد لك) ولما صار إلى العبادة التي هي أقصى الطاعات قال :{ إياك نعبد } فخاطب بالعبادة إصراحاً بها و تقربا منه عز اسمه بالانتهاء إلى محدود منها وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال :{ صراط الذين أنعمت عليهم } فأصرح الخطاب لما ذكر النعمة ثم قال :{غير المغضوب عليهم } عطفاً على الأول لأن الأول موضع التقرب من الله بذكر نعمه فلما صار إلى ذكر الغضب جاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فأسند النعمة إليه لفظا وزوى عنه لفظ الغضب تحننا ولطفا .... وهذه السورة قد انتقل في أولها من الغيبة إلى الخطاب لتعظيم شأن المخاطب ثم انتقل في آخرها من الخطاب إلى الغيبة لتلك العلة بعينها وهي تعظيم شأن المخاطب أيضا لأن مخاطبة الرب تبارك وتعالى بإسناد النعمة إليه تعظيم لخطابه وكذلك ترك مخاطبته بإسناد الغضب إليه تعظيم لخطابه فانبغى أن يكون صاحب هذا الفن من الفصاحة والبلاغة عالما بوضع أنواعه في مواضعها على اشتباهها.". - وجاء في نصرة الثائر للصفدي (14) (696-764 هـ/1296- 1363 م) :" (الالتفات في بعض الآيات) : قال في الالتفات وقد ذكر قوله تعالى :{ثم استوى إلى السماء وهي دخان} الآية؛ : (إنما عدل عن الغيبة إلى الخطاب في قوله تعالى :{وزينا السماء الدنيا} لأن طائفة من الناس غير المتشرعين يعتقدون أن النجوم ليست في سماء الدنيا؛ وأنها ليست حفظا ولا رجوما ؛ فلما صار الكلام إلى هنا عدل عن خطاب الغائب إلى خطاب نفسه لأنه مهم من مهمات البلاغة في الاعتقاد وفيه تكذيب الفرقة المكذبة المعتقدين بطلانه.) ، أقول: إن اعتقادهم أنها ليست في سماء الدنيا وليست رجوما؛ نوع على اعتقاد قدم العالم؛ وأن الله تعالى موجب بالذات دون حدوث العالم والفاعل المختار؛ وعلى ما قرره فإضافة الفعل في خلق السماوات في يومين ووحي أمرها فيها إلى المتكلم يكون أولى من أن تكون إخبارا عن غيره لأنه الأصل والعناية بالأصل أولى من العناية بالفرع لأنه إذا ثبت الأصل ثبت الفرع ولا ينعكس ولو كان هذا أولى لما عدل عنه ولكنه قد عدل عنه لحكمة لم تظهر لابن الأثير." ، وجاء فيه أيضا :"(مناقشة نموذج آخر من إنشاء ابن الأثير) قال في القسم الأول من النوع الرابع في الالتفات بعدما تكلم على ما في سورة الفاتحة من الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وفرغ من ذلك: (فانظر إلى هذا الموضع؛ وتناسب هذه المعاني الشريفة؛ التي الأقدام تكاد تطؤها والأفهام مع قربها صافحة عنها).، أقول: أكذا يقال بعد ذكر أسرار القرآن الكريم وإيضاح غامضه وما أفاد قوله: المعاني الشريفة وتأدبه بقوله :(تكاد الأقدام تطؤها) ! وكان الأحسن أن لو قال :(فانظر إلى هذه المعاني الشريفة كيف غدت شموسها ضاحية؛ والبصائر عن إدراك ضيائها لاهية) ؛ أو أن يقول :(تكاد تيجانها تقع على المفارق؛ والأذهان عاطلة الجيد من درها المتناسق).". - وجاء في تزيين الأسواق في أخبار العشاق لداود الأنطاكي (15) (ت 1008هـ): " ألا يـا بنـات الحـي إن أبـاكـمـا أضـحى قـتيلاً فـي الـتراب مـجـندلا لـلّـه دركـمـا ودر أبـيـكمــا لايـبـرح الـعـبـدان حـتـى يـقـتلا ...وفي البيت خزم (16) بالحرف الأول وهو عيب مشهور سائغ الاستعمال في الصناعة؛وقوله بنات الحي؛ثم عدل إلى التثنية في قوله إن أباكما جريا على الغالب في خطاب العرب فإنهم يستعملون التثنية في الجمع والإفراد.". - وجاء في القواعد الحسان للسعدي (17) (ت :1307هـ - 1376هـ): " قوله تعالى:{هو الذي يسيركم فى البر} (على ظهور الدواب) {وفي البحر} (على الفلك) {حتى إِذا كنتم فى الفلك} أي:(في السفن؛والفلك: تكون واحدا وجمعاً) {وجرين بِهِم} أي :(جرت الفلك بالناس) ؛ رجع من الخطاب إلى الغيبة ؛ والفائدة فيه من وجوه : أحدها : ما تقدم عن الزمخشري (18) ؛وهو المبالغة بذكر حالهم لغيرهم ليعجبوا منها؛ ويستدعي منهم مزيد الإنكار والتقبيح. وثانيها : قال الجبائي: (إن مخاطبته - سبحانه جلَّ ذكره - لعباده على لسان الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - بمنزلة الخبر عن الغائب ؛ وكل من أقام الغائب مقام المخاطب حسن منه أن يرده مرة أخرى إلى الغائب). وثالثها : قال ابن الخطيب :(إن الانتقال من لفظ الغيبة إلى لفظ الحضور يدل على مزيد التقريب والإكرام؛ وأما الانتقال من لفظ الحضور إلى لفظ الغيبة فإنه يدل على المقت والتعذيب وهو اللائق بحال هؤلاء؛لأن من كان صفته أنه يقابل إحسان الله إليه بالكفر؛ أن يكون اللائق به ذلك)، والأول كما في الفاتحة ؛ فإن قوله :{بسم الله الرحمنِ الرحيم . الْحمد للَّه رب العالَمين . الرحمنِ الرحيم} [ الفاتحة : 1 - 3 ] خطاب غيبة ؛ ثم قال : {إِياك نعبد وإِياك نستعين} [ الفاتحة : 5 ] وهذا يدل على أن العبد كأنه انتقل من مقام الغيبة إلى مقام الحضور؛ وهو يوجب علو الدرجة وكمال القرب.". - وجاء في البحر المحيط لأبي حيان عند تفسيره للفاتحة:" وإياك التفات لأنه انتقال من الغيبة إذ لو جرى على نسق واحد لكان إياه ؛ والانتقال من فنون البلاغة وهو الانتقال من الغيبة للخطاب أو التكلم ومن الخطاب للغيبة أو التكلم ومن التكلم للغيبة أو الخطاب ؛ والغيبة تارة تكون بالظاهر وتارة بالمضمر وشرطه أن يكون المدلول واحدا ؛ ألا ترى أن المخاطب بإياك هو الله تعالى ؟.". الحاشية : (11) مفاتيح الغيب ؛ فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي ؛ من متكلمي الأشاعرة اشتغل بالفلسفة وقيل أنه رجع إلى مذهب السلف في التوحيد ؛ وقال ابن تيمية عن تفسير الفخر :"فيه كل شيء إلا التفسير" - وقد نافح عنه الصفدي في الوافي بالوفيات على عادته في التهوين من آراء شيخ الإسلام ابن تيمية مع انتصاره لأعداء الدعوة السلفية من أهل البدع الصوفية والأشاعرة- ؛ وعلى العموم فإنه في غالب ردوده على أصحاب المقالات يأتي بالشبهة ناجزا ويردها نسيئا ؛ فلا يستفيد من تفسيره إلا عارف متخصص . (12) لعله : أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ البَصْرِيُّ المعتزلي ؛ المشهور بالجبائي ؛ شيخ المعتزلة ؛ ورأس المتكلمين في عصره ؛ وإليه نسبة الطائفة(الجبائية)؛ له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب ؛ نسبته إلى جبى (من قرى البصرة) اشتهر في البصرة ؛ ودفن بجبى ؛ رد عليه الأشعري ؛ مَاتَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ . (انظر:سير أعلام النبلاء27/202، والأعلام للزركلي6/256، و المقريزي 2/ 348، ووفيات الأعيان 1/480 ،والبداية والنهاية 11/125،واللباب1/208، =ومفتاح السعادة 2/35 ، وانظر دائرة المعارف الاسلامية 6/270 – 274 ، و مجلة الجامعة الإسلامية ـ العدد 23 بعنوان : أبو الحسن الأشعري ؛ الكاتب : حماد الأنصاري . (13) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ؛ أبو الفتح ضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير. (14) نصرة الثائر على المثل السائر؛ صلاح الدِّين خليل بن أيبك الصفدي ؛ من ألذ أعداء دعوة شيخ الإسلام ؛ وقد أكثر التعريض به في كتبه الشوهاء ؛ مع نصرة لأعدائه وتمجيد لهم ؛ وقد فضح نواياه بعض أهل العلم وبينوا مكنوناته والتي ما صبر أن أفصح عنها ؛ وتلك التي تنم عن أمراض نفسية وأزمات عصبية على ما أخبر هو نفسه على لسان شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ وقد أحسن في وصفه ؛ وأنصف هو في نقل ذلك عن نفسه ؛ وقد وقفت على تزكيته لابن عربي وكتابه الفتوحات المكية ؛ بل أكثر من ذلك فهو يمجد مقدمة الكتاب وينوه بها وأنها لا تخالف المعقول والمنقول مع أنها عين الأشعرية الماكرة المفوضة للصفات ؛ إلى غيرها من ادعاءاته المهترئة المتساقطة أمام شهب الحق المبين ؛ وقد جمع الباحث أبو الفضل القونوي طرفا لا بأس به في بيان مواقف الصفدي من شيخ الإسلام ؛ و مدى غموض آرائه العقدية وخلطه الفاضح في كثير من جوانبها ؛ فاللهم اعصمنا واهدنا يا رب العالمين . (15) تزيين الأسواق في أخبار العشاق ؛ داود بن عمر الأنطاكي الضرير . (16) قال ابن فارس :"(خزم) الخاء والزاء والميم أصلٌ يدلُّ على انثقاب الشَّيء. فكلُّ مثقوبٍ مخزومٌ."[مقاييس اللغة]، وقال ابن سيده : "والخَزْم في الشِّعر : زيادة حرف في أول الجُزء أو حرفين ، أو حروف من حروف المعاني ، نحو : الواو ، وبل ، وهل . قال أبو إسحاق : وإنما جازت هذه الزيادة في أوائل الأبيات ، كما جاز الخرم ، وهو النقصان في أوائل الأبيات ، وإنما احتملت الزيادة أو النقصان في الأوائل ، لأن الوزن إنما يستبين في السمع ويظهر عواره إذا ذهبت في البيت."[المحكم والمحيط]. (17) القواعد الحسان في تفسير القرآن ؛ عبد الرحمن بن ناصر السعدي . (18) هو أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (سنة الولادة 467هـ/ سنة الوفاة 538هـ) ، من أعيان المعتزلة ورؤوسهم ولا ينظر في تفسيره وباقي كتبه إلا عارف متخصص . |
#3
|
|||
|
|||
البنية اللغوية وأثرها في صياغة وتكييف القواعد الأصولية والفقهية (قاعدة لا إنكار في مسائل الخلاف ؛ نموذجا) الحلقة الثالثة .
تنبيه :
أود لفت نظر إخواننا في هذا المنتدى الطيب إلى أن موضوع البنية اللغوية سأنقله مرة بعد مرة على الرابط التالي : http://www.salafi-poetry.net/vb/showthread.php?t=2990 بأن أجعله على شكل مجموع لما تناثر في منبر الفقه وأصوله .. و الذي بدى لي أن أضعه في المنبر العام ؛ لاشتماله على أكثر من فن من فنون العلم : من عقيدة ولغة وأصول ومناهج وتفسير ؛ ... فأطلب منكم المشاركة في إثراء الموضوع بتعليقاتكم ؛ ودفع عجلة الطرح إلى الأمام .. وتقبلوا خالص تحاياي .. و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. التعديل الأخير تم بواسطة الشاعر أبو رواحة الموري ; 02-14-2011 الساعة 09:32 AM. |
#4
|
|||
|
|||
أحسن الله إليك شيخنا أبا رواحة الموري على تثبيت الموضوع وزادك الله من فضله العميم
آمين آمين آمين ولكن أطلب منك طلبا أبغ أن تحققه وأنت له أهل وأكبر بكثير ؛ ألا هو تعليق منك على الموضوع قصد الإثراء فأنا أحب درركم وأبهج بما تلقونه منها عظيم البهاج ؛ فهيا وعلق على الموضوع أنت وبصحبتك بلابل منتدانا الأكارم ... والحمد لله فقد لاحظت أن منتدانا صار يرتاده زمرة لا يستهان بها من الأقلام السيالة ؛ فاللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال ( على لسان العامة) آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــن وما هذا الارتياد سوى دليل على السمعة العالية التي حظي بها بين المنتديات بقوة الطرح ودقة التحليل ... و في الأخير أعتذر عن عدم مشاركتي في مواضيع إخواننا الشعراء لسفر طرأ علي اليوم إلى ولاية باتنة قد أتأخر فيه بعض الأيام ... فارتقبوا طلة أخيكم المحب أبي عبد الله بلال المتابع لكم بتلهف ... |
#5
|
|||
|
|||
شكرا لك أبا عبد الله لك على هدية عند الانتهاء من جميع حلقات أن أنسقها لك على ملف وورد و pdf و
أجعل لها رابطا مباشراً للتحميل ((ابتسااااامة)) |
#6
|
|||
|
|||
اقتباس:
والله أخي أبا عبد الرحمن العكرمي كثرت علي أياديك وسوابغ أفضالك ؛ ولم أجد كيف أردها وما لي أنا العاجز عن رد أفضالك ومجارات أمثالك إلا أن أدعو لك الله أن يرزقك النظر إلى وجهه الكريم ويحشرك في زمرة النبيين والصديقين والشهداء ؛ وأن يرزقك من خيري الدنيا والآخرة آمين آمين آمين التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بلال يونسي ; 03-25-2011 الساعة 03:37 AM. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.