المرثية البازية

المقال
المرثية البازية
1633 زائر
31/07/2011
غير معروف
الشاعر أبو رواحة الموري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :
فهذه القصيدة تعد رثاء لإمام المسلمين ، وقدوة المحققين ، ودرة الفقهاء المدققين ، وتاج السلفيين ، ونادرة العلماء العاملين ،
مفتي عام المملكة العربية السعودية ، سماحة الوالد العلامة الشيخ :
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نوّر الله ضريحه ورحمه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

المرثية البازية

رأيت القلب يزداد اكتئاباً = وأحزاناً لنا أمست عذابا
وفي الأحشاء نيران تلظى = وكم قد أَلهَبت قلبي التهابا
إذا رُزئ الفتى بحديث إفكٍ = فيكفي أن يكون له مصابا
فكيف إذا أتى خطبٌ جسيمٌ = يهز القلب والشم الصلابا


فقد نُبِّئت أن إمام عصري = لبارئـه وخالقـه أجـابا
فساءت الكرام أذاك حقٌ = فإنَّ لكل حادثةٍ جوابا
فقالوا كلهم بلسان حزنٍ = مضى ابن الباز حين صفا وطابا
فإنَّ حوادث الأيام تترى = ويتبع بعضها بعضاً منابا
يرقِّق بعضها بعضاً وتبدو = هنا فتنٌ فتصطخب اصطخابا
يثيب الغم أقواماً ويأتي = له غمٌّ فينسى ما أثابا
أيا عبد العزيز رأتك عيني = بهذا العام مخدوشاً مصابا


رأيتك في هزال الجسم تبدو = وظهرك منحنٍ يأبى انتصابا
على الرجلين إن تمشي تُهادى = ضعيفاً حين تجتذب الرقابا
تشحطت الدماء بكل عرقٍ = وإن سوادها يبدو خضابا
فداخلني لذاك الأمر همٌ = وكم قلبي لمنظره استرابا
ولكن بعدها سافرت عَوداً = إلى ذي الأرض أقترب اقترابا
فلم ألبث بِها إلا يسيراً = فوافتني وفاة من استجابا
لأمر الله والمقدور حقاً = فإنَّ لكل ذي أجلٍ كتابا


وإن الموت مكتوب علينا = وكم يأتي ويحدونا طلابا
أتاه الموت حين أتاه صبحا = ليقرع في الدخول عليه بابا
فأنشبت المنية كل ظفر = لتأخذ روح من في الله شابا
ففي يوم الخميس أتت صباحاً = لتأخذ روح من لله تابا
يعاني شدة السكرات حقاً = وحشرجةً وضيقاً واكتئابا
تقٌعـقِعُ روحه فيضيق صدرٌ = وإنَّ لسانه بالذكر طابا


يحف الأقربون به فتجري = دموعهمُ وتنسكب انسكابا
وعند خروج تلك الروح منه = رأيت لهم بكاءً وانتحابا
على من قارب التسعين عاماً = وأفنى العمر صبراً واحتسابا
فقال أحبة ألديك شعرٌ = يرتل ذكر أعلمنا كتابا؟
وقالوا لي بربك هات شعراً = يشيد به ويرفعه جنابا
فقلت نعم فشعري حين يبدو = يكون به لساناً مستطابا


لذا استنفرت أوزاني وشعري = وكل قصيدة كانت شبابا
فألفيت القصيد هنا حزيناً = وليس بأحرفي حرفٌ تصابى
قوافي الشعر واجمةٌ حيارى = ومن حسراتها لبست حجاباً
أيا عبد العزيز فدتك روحي = وأشعاري فقد كنت الشهابا
وأوزاني بها تسعون كسراً = وأعظمها لَنَجمُكَ حين غابا
فما شعراً أسطِّره ولكن = أسطر ذلك الدمع المذابا
وفاتك ثلمةٌ في كل قلبٍ = لفقدك صار ينتحب انتحابا


وفاتك لوحة سوداء تبدو = كليلٍ كاسف سدل الحجابا
أشاهد كل أرض الله ثكلى = وكل عمارةٍ أضحت خرابا
أراني إن ذكرتك هاج حزني= ودمع العين ينسكب انسكابا
بكتك جوانحي وبكاك قلبي = وفقدك صار يكوينا عذابا
بكتك ضمائرٌ وكذا نفوسً = كأنك كنت توليها العتابا
بكتك الطير والأغصان حزناً = كأنك كنت تسقيها الشرابا
بكتك الأرض أوهاداً وسهلاً = كأنت للربا كنت السحابا


بكتك عوالم الدنيا وتبكي = منائرها وتضطرب اضطرابا
وقد أضحى الحجاز حبيس حزنٍ = كذا نجدٌ غدت ترثي المصابا
وكم تبدو الرياض بلا رياضٍ = كذلك مكة صارت يبابا
كذاك الطائف الولهان أضحى = كسيف البال يعظمها مصابا
بكاك الطفلُ في الأعياد حزناً = لأنك كنت تكسوه الثيابا
بكى ذاك اليتيم عليك دمعاً = لأنك كنت تنسيه السغابا
بكاك البذلُ والإحسان صدقاً = لأنك كنت ترفعه ركابا


بكاك الذكرُ للرحمن جهراً = لأنك كنت تُكثِرُه متابا
بكاك العلمُ في الأمصار دهراً = لأنك كنت تنشره ثوابا
بكاك المنهجُ السلفيُّ حقاً = لأنك كنت تسترضيه بابا
بكى العلماءُ والأشياخ طراً = على من كان أفضلهم جنابا
بكى الأدباءُ والشعراء شعراً = على من كان أجملهم خطابا
بكى العبادُ والزهاد نثراً = على من كان مقبولاً مجابا
رسائله إلى الحكام نصرٌ = لأن اللين يقدمها خطابا


بأوزاعيِّنا أضـحى شبيهاً = يقول الحق لا يخشى العقابا
أيا شيخ الجزيرة يا ابن بازٍ = ويا من كنت في الدنيا مُهابا
أتصبح بعد ذا في بطن أرضٍ = تُدَسَّ بِها وتفترش الترابا؟
أتصبح بعد ذا جسماً رميماً = وكنت بأمسنا رجلاً شبابا؟
بموتك تُظهِر الأحزاب عرساً = لأنك كنت تسقيها العذابا
بموتك ترفع الأهواء رأساً = لأنك كنت تخفضها رقابا
فنم نوع العروس حباك ربي = جنان الخلد تسكنها ثوابا


ونم نوع العروس جزاك ربي = ثماراً تلقى يانعة رطابا
فإن فارقتنا فارقت أهلاً = وأوطانا وإخواناً صحابا
فتلك معاهد التعليم أضحت = تُنكِّس رأسها حزناً غضابا
وطلاب العلوم لهم بكاء = لفقدك حين قدمت الذهابا
فقد كنت الفقيه وكنت حبراً = عظيم القدر مرفوعاً جنايا
عَلِمتُك حافظاً ثبتًا إمامًا = وبراً ناصحاً تزكو ثيابا
وللعلماء كنت أباً رحيماً = بِدُرِّ العلم مملوءٌ جرابا


أنادي كل من أضحى كسولاً = بهذا العلم لم يقرأ كتابا
وفي سكراته لا ليس يدري = بأن لهذه الدنيا انقلابا
فذا شيخ الجزيرة قد تولى = كبدر التمِّ حين بدا وغابا
وألبانيُّنا أضـحى مريضاً = طريح الأرض لم يرفع جوابا
وتدعوه المنون بكل حينٍ = فيوشك أن يفارقنا ذهابا
ويعلم كل من بالأرض أنا = فقدنا حينها نجماً شهابا
وهذا الوادعي غدا عليلاً = وبالأسقام يلتهب التهابا
وكم تأتيه أخبار ابن بازٍ = فتحزنه وكم يجد اكتئابا


يداهمه السعال بكل وقتٍ = وفي ساعاته يلقى الصعابا
أنزهد بعد ذا عن كل درسٍ = يقدِّم في العلوم المستطابا؟
أنطمع بد ذا في كل فلسٍ = وللدنيا نجدُّ لها طلابا؟
لهذا كم أنادي اليوم قومي = إلى علم نشق به العبابا
ستعلم أيها الجافي كلامي = وتذرف بالدموع هنا سحابا
إذا أباؤنا غابوا فإنا = نكون بعالم الدنيا سرابا
إلهي فارحم الأموات منهم = وفي الأجداث ثبتهم جوابا


وأسكنهم غداً جنات عدن = لما فعلوا تكون لهم ثوابا
كذلك واحفظ الأحياء منهم = وُرد بهم عن الحق الحرابا
وأختم بالصلاة على رسول = رفيع القدر محمود جنابا
كتبت في يوم الجمعة الموافق لليوم السادس من شهر صفر لعام 1420هـ
بدار الحديث بدماج – صعدة

بقلم الشاعر
أبي رواحة عبدالله بن عيسى الموري

   طباعة 
0 صوت
التعليقات : تعليق
« إضافة تعليق »
01-01-1970 12:00 (غير مسجل)

01-01-1970 12:00 (غير مسجل)

[ 1 ]
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
6 + 2 = أدخل الكود
روابط ذات صلة
روابط ذات صلة
المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

تسجيل الدخول للموقع
البحث في الموقع
البحث في
خدمات الموقع
 

Warning: Unknown: write failed: Disk quota exceeded (122) in Unknown on line 0

Warning: Unknown: Failed to write session data (files). Please verify that the current setting of session.save_path is correct (/var/cpanel/php/sessions/ea-php54) in Unknown on line 0