تساءل المجد هل طود الهدى مالاً؟ * * * أم فتنة كسرت باباً وأقفالا؟
أم قد تهاوت نجوم الكون ثاوية؟ * * * في أرضنا أحدثت قرْعاً وأهوالا
فصيَّرت من رياض الأرض طائفةً * * * بلاقعاً وعيونَ الماء أوحالا
ألم يزل جُرْحُ فقْد الباز يجرحنا * * * بموته كم أمات اليوم آمالا؟
ألم تزل بقيود الحزن أفئدة * * * موثوقة؟ أُقفِلت بالغم إقفالا؟
ألم يزل ناصر للدين يؤلمنا * * * فراقه حين تاج العلم قد نالا؟
ألم تزل بفراق الشيخ تثقلنا * * * كتائبٌ من هموم البين إثقالا؟
شيخان قد تركا الدنيا زهرتها * * * لم يصحبا معهما أهلاً ولا مالا
كانا كركنين للتعليم فانهدما * * * وأصبحا في بطون الأرض أوصالا
حتى هوى ثالث الأركان حين مضى * * * ذاك العثيمين من لله قد آلا
ذالك الذي كان من أثار سيرته * * * حُسْن اللقاء وكم قد فاق أفعالا
فوجهه مشرقٌ في حُسْن طلعته * * * صبحا يهز كيان الليل إن طالا
جم التواضع في الأخلاق جامعةٌ * * * ما كان يمشي أمام الناس مختالا
تراه إن مرَّ بالصبيان قال لهم * * * سلام ربي عليكم تبْلغ الآلا
أوقاته لم تكن في القيل ضائعة * * * ولم يكن بوخيم الإفك قوالا
سامي المقام رفيع القدر منزلة * * * جنابه كم يفوق القوم إجلالا
تراه من هيبة يبدو بصورته * * * ليثا يكسِّر عبْر القيد أغلالا
علوُّ كعب بهذا العلم بل رسخت * * * أقدامه من جنا التأليف قد نالا
ألم يكن ممتعاً للناس مُمتِعُه * * * بشرحه الزاد كم قد حلَّ إشكالا
شرْح الرياض رياض في حدائقه * * * فكم يهز غصون الشوق آصالا
وانظر إلى شرحه التوحيد إن له * * * قولاً مفيداً به قد صار سربالا
أسفاره في الورى كالشمس مسفرةً * * * علومُها إذ حوت من ذاك إشكالا
هذا وإن كان في أرض القصيم فكم * * * يعطي من العلم تدريساً وأقوالا
فإن أتى نحو بيت الله كان له * * * درس يقدمـه عذبـا وسلسالا
وجاءنا اليوم والأمراض تنهشه * * * وكم يقاوم ألاماً وأحمالا
حتى أتته منايا الموت شاهرةً * * * صمصامها حين دمع الكل قد سالا
سقطت يا ثالث الأركان حين علت * * * أنفاسك اليوم ترجو الرب آمالا
فليس باقٍ سوى الرحمن خالِقنا * * * وأنه ضارب للخلق آجالا
وسار جثمانه بعد الصلاة إلى * * * مقابر العدل لا عمًّا ولا خالا
فجاور الباز عِلْمًا ثم جاوره * * * من بعد ذلك قبراً صار منهالا
فإن توارت أسود الأرض في زمنٍ * * * فحسبها تَركَتْ للأمن أشبالا